تحولات في خارطة السيطرة: هجوم مضاد يفاجئ حفتر جنوباً

19 ابريل 2019
نجحت قوات الوفاق في استعادة المبادرة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور 15 يوماً على إطلاق اللواء خليفة حفتر هجومه على العاصمة الليبية طرابلس، لا تبدو في الأفق أي معطيات تشير إلى إمكان انتهاء المعارك قريباً، فعلى الرغم من تمكّن القوات الموالية لحكومة الوفاق من استعادة المبادرة وصدّ هجوم قوات حفتر وإبعادها عن مناطق سيطرت عليها جنوب العاصمة، إلا أن اللواء الليبي يبدو مصراً على استكمال حربه، في ظل الدعم الذي يتلقاه من مصر والإمارات والسعودية، إضافة إلى الغطاء الدولي من روسيا وفرنسا، والذي أفشل حتى الساعة أي قرار دولي في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في العاصمة الليبية، على الرغم من العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المهاجمة في طرابلس. لكن التطور الأهم الذي قد يقلب صورة المشهد، هو الهجوم المضاد الذي شنّته قوات موالية لحكومة الوفاق، أمس، ونجحت عبره في دخول قاعدة تمنهنت الجوية (الواقعة شرقي سبها بـ30 كيلومتراً) وهي من أهم القواعد في الجنوب، قبل أن تعلن قوات حفتر استعادتها وطرد المهاجمين.

الواقع القائم عبّر عنه بشكل صريح المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، أمس، بقوله إن الانقسام في الموقف الدولي كان قائماً قبل هجوم حفتر، وهو ما شجّعه على شنّ هجومه. مضيفاً، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، أن الموقف العسكري حالياً وصل إلى "مأزق"، محذراً من "اشتعال" الوضع. وتابع "بعد النجاحات الأولى للجيش الوطني الليبي (بقيادة حفتر) قبل أسبوعين، نلاحظ اليوم جمودا عسكريا". في هذا الوقت، عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة، بطلب ألماني، أمس، لمناقشة الوضع الليبي، في وقت يبقى فيه مشروع القرار البريطاني الداعي إلى وقف القتال بلا موعد لمناقشته، مع استمرار الاعتراضات الروسية رفضاً لأي إدانة لهجوم حفتر.

ميدانياً، برز أمس إعلان "قوة حماية الجنوب"، عن سيطرتها على قاعدة تمنهنت الجوية جنوبي البلاد و"إعادتها إلى شرعية حكومة الوفاق"، قبل أن تعلن قوات حفتر لاحقاً أن القاعدة تعرضت لهجوم ولكنها تمكّنت من صده. وتقع تمنهنت شمال سبها، وتعتبر القاعدة الأهم عسكرياً جنوب البلاد. في غضون ذلك، استمرت، أمس، الاشتباكات المتقطعة، منذ ليل الأربعاء، بين قوات عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، وقوات حفتر.

ومع استمرار المواجهات، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن حصيلة المعارك بلغت 205 قتلى على الأقل و913 جريحاً، منذ بدء حملة حفتر للسيطرة على طرابلس، في 4 إبريل/نيسان الحالي. كما أعلنت منظمة الهجرة العالمية، الأربعاء، أن عدد النازحين بلغ 25 ألفاً. أمام هذا الواقع، ومع استعادتها المبادرة، تصرّ حكومة الوفاق وحلفاؤها على ضرورة انسحاب قوات حفتر إلى أماكن تواجدها قبل إطلاق الهجوم، وهو ما أعاد تأكيده رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، أمس. وأكد المشري، خلال مؤتمر صحافي في مقر السفارة الليبية في تونس، "أننا لن نقبل بوقف إطلاق النار في البلاد فقط، بل لا بد من رجوع قوات حفتر من حيث أتت، ويجب معاقبة هذا المجرم (حفتر)". كما شدّد على ضرورة "إنهاء المؤسسات الموازية والذهاب إلى الملتقى الوطني الجامع، ومن ثم وضع الدستور، ثم الذّهاب إلى الانتخابات". وتابع: "إذا أراد (حفتر) غير ذلك، فنحن قادرون على الذهاب إلى عقر دار هذا المجرم، ولكننا تجنبنا النّار لأننا لا نريد خراباً".

في سياق متصل، قال المشري إن "الإمارات، وتحديداً حكومة أبوظبي، تسعى إلى نشر الفساد في الدول العربية، لمنع انتشار الديمقراطية فيها". وأشار إلى أن "العربات التي تستخدمها قوات حفتر في عملياتها العسكريّة، إماراتية، وأن الذخائر الموجودة لدى هذه القوات "صناعة مصرية". وشدد على أن "من يقف مع محاولة الانقلاب التي يشنها حفتر يعتبر شريكا فيها". واعتبر أن "موقف الجامعة العربية منحاز ويميل إلى حكم العسكر، عكس الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا"، ووصف الجامعة بأنها أصبحت دائرة تابعة لوزارة الخارجية المصرية. وحول المواقف الصادرة من قبل مجلس الأمن، قال إن المطالبة فقط بوقف إطلاق النار غير كافية، ولا بد من تطبيق القانون ومعاقبة المعتدين والمجرمين، وعلى كل الدول أن تتخذ موقفاً واضحاً مما يحصل في ليبيا.


هذه التطورات تأتي في ظل تغيّر كبير في الخريطة الميدانية منذ إطلاق حفتر هجومه في 4 إبريل، ثم إعلان حكومة الوفاق عن عملية "بركان الغضب" بعد يومين لرد الهجوم. فخلال اليومين الأولين للمعركة، تمكّنت قوات حفتر من السيطرة على "بوابة 27 كيلومتر" غرب طرابلس، بالإضافة إلى مناطق قصر بن غشير جنوب شرق العاصمة والسواني والعزيزية غربها، لتصل قوات اللواء التاسع من ترهونة الموالية لحفتر إلى أحياء عين زارة ووادي الربيع داخل طرابلس. لكن قوات "بركان الغضب" تمكنت من استرداد سيطرتها على كامل منطقة قصر بن غشير المنفذ الشرقي للمدينة التي تحوي مقر المطار، في السابع من إبريل، وبعد معارك ضارية اضطرت قوات حفتر إلى الانسحاب من السواني.

وفي 10 إبريل تمكنت قوات الوفاق من محاصرة اللواء التاسع داخل مقار عسكرية في حيي عين زارة ووادي الربيع، وتحديداً في معسكر اليرموك ومعسكر 42 في عين زارة ومقر شركة النهر الصناعي في وادي الربيع. وشكّل سلاح الجو عاملاً فارقاً في المعركة، فطيلة أعوام من معاركها لم تمتلك أي قوة مناوئة لحفتر إسناداً جوياً لمقاومة تقدّمه، لكن قوات الحكومة تمكّنت من استخدام طيرانها لتنفيذ غارات جوية انطلاقاً من مهبط الكلية الجوية في مصراتة، استهدفت خلالها الخطوط الخلفية لقوات حفتر وقطعت طرق إمدادها. ومنذ 12 إبريل، بدأت قوات حفتر في الانسحاب والتراجع، مقابل تقدّم قوات الحكومة التي سيطرت على أجزاء كبيرة من الساعدية والعزيزية التي تمثل القطاع السكاني الواقع إلى جنوب العاصمة، ونقلت المعركة إلى المنطقة الواقعة بين طرابلس وغريان، ومساحتها تزيد عن 50 كيلومتراً.

واليوم، باتت الصورة على الشكل التالي: تسيطر قوات الوفاق على كامل جنوب طرابلس، بدءاً من السواني وحتى سوق الخميس الواقع على تخوم مدينة ترهونة شرقاً. أما قوات حفتر فتسيطر على مدينة غريان الاستراتيجية، وفيها مهبط جوي يسمح لطيران قوات حفتر بشنّ غارات متتالية على الأحياء السكنية ومواقع قوات الحكومة. كما تسيطر هذه القوات على مناطق الهيرة والكسارات ووادي الحي الفاصلة بين طرابلس وغريان جنوباً، وعلى أجزاء واسعة من ورشفانة غربها، وترهونة شرقاً.

وكما تتوفر في القوتين عوامل قوة، تقابلها عوامل ضعف، فدخول قوات الحكومة في قتال في أرض مفتوحة بين طرابلس وغريان يضعها في مخاطر كبيرة، بسبب استمرار وجود قوات حفتر في ورشفانة غرباً وترهونة شرقاً. أما قوات حفتر، فتعاني من طول خطوط الإمداد لها ومرورها بمناطق مكشوفة، لتكون عرضة لطيران قوات الحكومة. كما أن قواعدها الأصلية، وتحديداً في قاعدة الجفرة، باتت معرّضة لهجوم وشيك، أكدت العديد من المصادر أن قوات "البنيان المرصوص" الموالية للحكومة والمتواجدة في سرت تحضّر له.