أعادت مأساة تهجير العائلات المصرية المسيحية التي نزحت من العريش إثر هجمات تعرّضت لها في فبراير/شباط الماضي، الحديث عن حجم التقصير الذي لاقاه المواطنون النازحون من سيناء منذ عامين. وبرزت بصورة واضحة المفارقة بين اهتمام الأجهزة الرسمية بالمهجرين، على أيدي تنظيم "ولاية سيناء" المسلح، وأولئك الذين تم تهجيرهم على أيدي قوات الأمن المصرية التي هدمت بيوتهم وحرقت مزارعهم، ووصلت أعدادهم إلى أكثر من 21 ألف نازح، وفقاً لتقديرات منظمات إنسانية محلية.
حالة من الاستنفار الحكومي تمّت بعدما وصلت أولى دفعات الأسر المهجرة إلى مدن كالإسماعيلية وبورسعيد، على الرغم من أن عددها أقل بكثير من الأعداد الكبيرة للعائلات التي هاجرت من رفح والشيخ زويد، بسبب إقامة المنطقة العازلة وصعوبة الأوضاع الإنسانية. إلا أنها في المقابل لم تلق أي اهتمام على المستويين الحكومي أو المجتمعي.
وفي السياق، قامت وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، بزيارتين خلال أسبوعين، إلى الأسر التي هجرت من العريش بسبب الهجمات المستمرة. وفي زيارتها الثانية، يوم السبت الماضي، قدمت 48 شقة لعدد من الأسر، بعدما تم تجهيزها وفرشها لتلبي احتياجات الأسر بشكل كامل. وبعد زيارة وزيرة التضامن مباشرةً في ذات اليوم، قرر صندوق "تحيا مصر" تقديم دعم للأسر المنتقلة من شمال سيناء، بسبب العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين، والتي راح ضحيتها، في فبراير/شباط الماضي، 7 أشخاص في حوادث متفرقة، بمبلغ قدره 5 ملايين جنيه (حوالي 275 ألف دولار أميركي)، وذلك فى إطار المساعدات الإنسانية العاجلة التي يقدمها صندوق "تحيا مصر" للمتضررين.
وفي الملف التعليمي، عملت وزارة التربية والتعليم العالي على توفير أماكن للطلاب الجامعيين المغادرين من محافظة شمال سيناء بجامعتي قناة السويس وبورسعيد والمدن الجامعية، فيما تحملت وزارة التضامن الاجتماعي نفقات التحاق الطلاب بالمدارس الحكومية والخاصة.
"وكأننا لسنا مصريين"
في المقابل، يظهر نموذج مغاير في التعامل مع الأسر التي نزحت من مدينتي رفح والشيخ زويد والتي لم تجد منطقة مصرية تحتضنها، ما دفعها للسكن في المناطق المفتوحة في الصحراء وعلى أطراف مدينة العريش وبئر العبد. وفي لقاءات أجراها مراسل "العربي الجديد" مع عدد من الأسر التي لجأت إلى مدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء منذ عامين، أعرب مواطنون عن خيبة أملهم وهاجموا الحكومة المصرية بسبب تقصيرها بحقهم. ويقول أحد المهجرين من مدينة رفح، المواطن المسنّ ياسر أبو العبد، إنهم لجؤوا إلى بناء بيوت من "الزنك" في منطقة زراعية مفتوحة، في ظل استمرار تجاهل حقوقهم من قبل أجهزة الدولة التي دفعتهم لترك منازلهم. ويشير أبو العبد إلى أن الدولة وعدتهم بالتعويض مقابل منازلهم التي تم تدميرها لإنشاء المنطقة العازلة بين مصر وقطاع غزة، إلا أنهم لم يأخذوا سوى السراب، في استمرار لتجاهل معاناة مئات الأسر. وتقول المواطنة فاطمة عواد، لـ"العربي الجديد" إنها وأسرتها "هربت من الموت والدمار في الشيخ زويد"، مضيفة أنهم توقعوا أن يجدوا "منْ يحتويهم". وتعرب عن ندمها "على الخروج من مناطق عيشهم"، لأن "الموت في بيت بكرامة أهون من العيش في هذا الذل"، على حد تعبيرها. وتعقيباً على تسليم شقق سكنية للعائلات القبطية التي نزحت من العريش، تقول عواد "نحن لم نجد أحداً في استقبالنا، وكأننا لسنا مصريين"، بحسب وصفها.
ويشار إلى أن الجيش المصري أجبر مئات الأسر من سكان المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة على ترْك منازلها منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2014، بحجة إقامة منطقة عازلة مع غزة، على أن يتم إعطاؤها تعويضات وبدل إيجارات وتأمينها. إلا أن غالبية هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح. وتؤكد مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" أن العشرات من نازحي رفح والشيخ زويد لم يستلموا إعانات من وزارة التضامن الاجتماعي منذ 3 أشهر، تحت ذريعة وجود مشكلة فنية في أسماء المستفيدين من هذه الإعانات، مشيرةً إلى تعمُّد المماطلة في دفع التعويضات والإعانات للنازحين.
ويثير هذا الوضع اهتمام بعض الشخصيات المتابعة لملف سيناء. وفي مقال للكاتب المصري، فهمي هويدي، بعنوان "سيناء الأسئلة الحائرة"، نشره على موقع "الشروق" الإلكتروني، دعا إلى التأمل في المشهد "عندما تم تهجير 285 أسرة للأقباط من العريش إلى مناطق أخرى تأميناً لهم، وهي العملية التي كان لها صداها القوي في دوائر السلطة والمجتمع"، بحسب ملاحظته. وأضاف أن هذا الأمر "وفّر للمهجرين البالغ عددهم نحو ألف شخص ما يستحقونه من الرعاية والاهتمام في مساكنهم ووظائفهم، إلا أن ذلك أثار سؤالاً كبيراً حول إهمال السلطة لنحو 21 ألف نازح آخرين اضطروا إلى الهجرة من رفح والشيخ زويد بسبب اضطراب الأحوال الأمنية، دون أن تقدم لهم أجهزة السلطة مساعدات تذكر، (على الرغم من) أن المحافظة قامت بحصر أعدادهم في شهر (أغسطس/آب) من العام الماضي"، وفق ما ورد في المقال، وفي إشارة إلى المعايير المزدوجة التي يعتمدها النظام المصري في تعاطيه مع ملف ضحايا التهجير في سيناء، والتي تعكس نوايا سياسية لديه لاستغلال هذا الملف لصالحه.