الجزائر ـ إسرائيل: تاريخ من محاولات التطبيع

25 سبتمبر 2016
الرأي العام الجزائري يرفض التطبيع (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -

تُعيد حادثة إدراج خريطة، وضعت اسم "إسرائيل" بدلاً من "فلسطين" في كتاب مدرسي في الجزائر، الجدل بشأن وقائع ومحاولات سابقة للتطبيع، وتجاوز حالة المقاطعة السياسية والثقافية الرسمية والشعبية في الجزائر إزاء كل ما يتصل بإسرائيل. وعلى الرغم من المواقف السياسية المبدئية والتاريخية للجزائر في دعم القضية الفلسطينية رسمياً وشعبياً، وحدة مواقفها تجاه اسرائيل، إلا أن الفترة الأخيرة تشهد أحداثاً ووقائع تعكر صفو هذه المواقف. ولا يكاد الجزائريون يتجاوزون مشهداً أو حادثة تخصّ الجزائر مرتبطة باسرائيل، حتى تأتي سياقات مختلفة بحوادث لاحقة، يأخذ كل منها بعداً سياسياً أو ثقافياً أو اقتصادياً، لتكسر قاعدة المقاطعة السياسية والثقافية والاقتصادية الراهنة للجزائر إزاء دولة الاحتلال.

في يوليو/تموز 1999 سمحت السلطات الجزائرية للمرة الأولى لنوادي الروتاري والليونز بالعمل في الجزائر، على الرغم مما يحوم من شبهات حول علاقة هذه النوادي بلوبيات مالية وسياسية متصلة بإسرائيل والصهيونية. وأثار ذلك حفيظة عدد كبير من الأحزاب السياسية، الإسلامية تحديداً، في حينه.

وأيضاً في الفترة ذاتها، حدثت المصافحة التاريخية بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في الرباط المغربية، على هامش جنازة الملك المغربي الحسن الثاني. دام اللقاء بين الرجلين عشر دقائق، لكن الرئاسة الجزائرية حاولت نفي شبهات التطبيع السياسي، وفسّرت هذه الحادثة بكونها "لقاءً عفوياً وردّ تحية ليس إلا". كما أعلنت الرئاسة في حينه أن "بوتفليقة أبلغ باراك قائلاً: لم تكن لنا أبداً مشكلة مع إسرائيل، وفي اليوم الذي سيُحلّ فيه الصراع مع الفلسطينيين سنكون سعداء بإقامة العلاقات الدبلوماسية معكم". كما قام بوتفليقة خلال زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، مطلع عهده، بلقاء رجال أعمال يهود، ودعاهم إلى الاستثمار في الجزائر.

لكن أكثر الوقائع جدلاً تمثلت في الزيارة، التي قام بها وفد إعلامي جزائري، يضمّ ثمانية صحافيين، في 25 يونيو/حزيران 2000، إلى الكيان الإسرائيلي، بدعوةٍ من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط، وبرعاية من وزارة الخارجية الإسرائيلية. استكمل الوفد خطوته بزيارة إلى رام الله، لكن الرئاسة الجزائرية سارعت إلى وصف الزيارة بـ"الخيانة، التي تمّت بمخالفة القواعد والأصول". ووصفت الصحافيين بـ"الخونة".

مع ذلك، لم تترتّب على الأمر أية تداعيات، تحديداً بعد تدخل وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبرايت، التي حذّرت من المساس بالصحافيين، وتزامن ذلك مع إعلان اسرائيل عن وجود اتصالات بين السفير الإسرائيلي في باريس ومسؤولين جزائريين. وفي تلك الفترة أيضاً، قدمت مجموعة من الأشخاص، يتقدمهم مدير مدرسة في منطقة بوفاريك قرب العاصمة الجزائرية، يدعى محمد برطالي، بطلب اعتماد الجمعية الوطنية للصداقة الجزائرية الإسرائيلية، لكن السلطات الجزائرية رفضته.



وفي فبراير/شباط 2000، وجه بوتفليقة دعوة إلى المغني الفرنسي من أصول جزائرية، إنريكو ماسياس، لزيارة الجزائر، ضمن وفد رئاسي بقيادة الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي. لكن ردة فعل الرأي العام في الجزائر، إزاء هذه الدعوة، منعت حدوث هذه الزيارة. فماسياس اليهودي، داعمٌ للمواقف المؤيدة للجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، بل قام بحملة تبرّعات لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ولم تتمّ الزيارة رغم الغطاء الإنساني والثقافي الذي مُنح لدعوة ماسياس، المولود في قسنطينة، شرقي الجزائر، وإعلان عزمه زيارة البيت الذي ولد فيه، فضلاً عن زيارة قبر صهره مغني "المالوف" (الأغنية العربية الأندلسية) الشيخ ريمون، الذي قتله الثوار الجزائريون، لرفضه استقلال الجزائر عن فرنسا.

في مايو/أيار 2005، سمحت السلطات الجزائرية لـ250 يهودياً من مواليد الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي، ويحملون جوازات سفرٍ فرنسية، بتنظيم موسم حج إلى "معبد قباسة" وقبر الحاخام اليهودي إفرايم، في منطقة تلمسان قرب الحدود مع المغرب. وفتحت هذه الزيارة الباب واسعاً لجهات إسرائيلية بإعادة فتح ملف ممتلكات اليهود ومعابدهم في الجزائر، والمطالبة بدفع تعويضات مالية عنها.

في عام 2006، أعلنت السلطات الجزائرية عن اعتماد ممثليةٍ للطائفة اليهودية، وفقاً لقانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين، الصادر عام 2005. وفي 13 فبراير/شباط 2015 أُقيمت جنازة رسمية، بحضور رسمي كبير، للممثل اليهودي فرنسي الجنسية روجيه حنين، وهو من مواليد الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي. دُفن حنين في المقبرة اليهودية وسط العاصمة، بحضور رئيس جمعية الحفاظ على المقابر اليهودية في الجزائر، برنارد حدّاد. وأُقيمت خلال هذه الجنازة للمرة الأولى مراسيم دينية يهودية رسمية في الجزائر وارتداء القبعة اليهودية. ولم يكن تحفّظ الرأي العام في الجزائر إزاء هذه المراسم من الجانب الديني، لكنه كان يتصل بحساسية موقف الطائفة اليهودية السياسي تاريخياً.

وخلال هذه الفترة كانت الجزائر تسجل اختراقات تجارية إسرائيلية ملتوية، وكانت تصل سلع ذات منشأ إسرائيلي إلى الأسواق الجزائرية، مروراً بموانئ دولة أخرى. وهو ما كانت تعتبره أطراف مقاومة للتطبيع بالونات اختبار ومحاولة لكسر المقاطعة التجارية.

في عام 2002 أثارت صورة نُشرت في الموقع الرسمي للحلف الأطلسي، عن اجتماع عسكري شارك فيه قائد أركان الجيش الجزائري الحالي، الفريق قائد صالح، الذي ظهر جالساً قرب جنرال إسرائيلي يشارك في الاجتماع. وهي الصورة التي أثارت حفيظة الرأي العام، على الرغم من تبريرات السلطات.

وفي مطلع عام 2015 كانت المحاولة الأكثر استفزازاً واختراقاً لجدار المقاطعة السياسية والثقافية لاسرائيل، عندما حاول مخرج سينمائي جزائري، يدعى الياس سالم، المشاركة بفيلمه "الوهراني" في مهرجان أشدود في إسرائيل. واندلع جدال سياسي وإعلامي كبير شكّل ضغطاً كبيراً على وزارة الثقافة، لدفع المخرج إلى الانسحاب من المهرجان الإسرائيلي، خصوصاً أن الفيلم أُنتج من قبل الوكالة الحكومية للإشعاع الثقافي.

في 15 أغسطس/آب 2015، شاركت خمسة أفلام جزائرية في مهرجان لوكارنو السينمائي في سويسرا. وهو المهرجان الذي كانت إسرائيل ضيفة الشرف فيه، ومُنعت الأفلام الفلسطينية من المشاركة. في هذا المهرجان لم تتخذ الجزائر موقفاً بمقاطعة المهرجان، مما اعتبرته بعض الأطراف سقطة فنية وسياسية، خصوصاً أن معظم الأفلام المنتجة في الجزائر، تمّت بدعم من وزارة الثقافة عبر "صندوق دعم صناعة وتقنيات السينما".

بالنسبة إلى كثر فإن الوقائع والأحداث بين الجزائر وإسرائيل، لا تبدو بريئة بالكامل، بل يُشكّك مراقبون بوجود لوبي مرتبط مع مصالح نفوذ بإسرائيل، يعمل على تجاوز حالة المقاطعة السياسية والثقافية والاقتصادية. ويحاول تبرير ذلك بالتحولات الحاصلة في العالم وفي منطق العلاقات الدولية. لكن مثل هذه الطروحات تواجه مقاومة شعبية وسياسية وإعلامية كبيرة في الجزائر، كما أن الحساسية التاريخية مع الطائفة اليهودية ما زالت ماثلة، بسبب مواقف أبناء هذه الطائفة الداعمة للاستعمار الفرنسي في الجزائر بين عامي 1830 و1962، والمعادية لثورة التحرير الجزائرية بين 1954 و1962.


المساهمون