الإمارات تنشئ جيشاً مليشياوياً في اليمن لتعويض انسحابها

04 يوليو 2019
الإمارات تريد التحكم بالمشهد العسكري في اليمن (فرانس برس)
+ الخط -
تتوالى في الأيام الأخيرة المعلومات التي تنشرها صحف أجنبية ووكالات أنباء حول تقليص الإمارات لوجودها العسكري المباشر في اليمن، وسط ربط للخطوة بالتهديدات الأمنية الناتجة من تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والمخاوف من تعرض القوات الإماراتية للاستهداف في اليمن. لكن سحب القوات الإماراتية والتي لا يُعرف عديدها على نحو دقيق، والذي أكدت صحيفة وول ستريت جورنال أمس أن التخطيط له بدأ قبل عام، يقابله مخطط آخر دخل حيز التنفيذ في الآونة الأخيرة ويقضي بالتوسع في إنشاء جيش من المليشيات مهمته الأساسية ليس فقط تولي مهمة ملء فراغ الانسحاب الإماراتي (على اعتبار أن القوات الإماراتية لم تكن تقاتل على نحو مباشر في اليمن إلا في حالات استثنائية، وتركز على قيادة العمليات العسكرية) بل أيضاً تقويض إضافي لسلطة الشرعية اليمنية في المناطق المحررة من الحوثيين.

وتشير المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من 9 مصادر يمنية موزعة بين قيادات عسكرية موالية للشرعية وأخرى مقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي دعمت تأسيسه الإمارات، إلى أن الأخير أنشأ في أقل من شهرين ستة عشر لواءً عسكرياً في أكثر من منطقة ومحافظة في جنوب اليمن. وهو ما ترى فيه الشرعية فصلاً جديداً من الحرب التي تشنها الإمارات وحلفاؤها عليها في محاولة لتقويض نفوذها واستبدالها بأطراف موالية لأبوظبي، خصوصاً أن الإمارات لم تكتف بإنشاء الألوية بل شكلت أيضاً محاور عسكرية في عدة مناطق (كل محور يضم عدداً من الألوية).



وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، تركزت هذه الألوية حتى اللحظة في محافظات لحج وعدن والضالع وأبين ويافع. وتم الدفع بالكثير منها إلى مناطق المواجهات، لا سيما في المناطق الحدودية السابقة لما قبل الوحدة اليمنية في عام 1990. وتكشف مصادر خاصة مقربة من قيادات الانتقالي، في أحاديث مع "العربي الجديد"، أن الإمارات وجهت قيادة الانتقالي بتشكيل جيش موازٍ لجيش الحكومة الشرعية قوامه عشرات الألوية. وبحسب المصادر، تكفلت أبو ظبي بدعم وتسليح كامل لتلك الألوية؛ على أن يتراوح عددها الإجمالي بين خمسة وعشرين وخمسة وثلاثين لواءً عسكرياً، في جميع مناطق جنوب اليمن.
مع العلم أن كل لواء يضم 5 كتائب، وكل كتيبة تتألف في حدها الأدنى من نحو 300 عنصر، ما يعني أن اللواء الواحد يضم 1500 عنصر، ليشكل عديد الجيش الموازي المستهدف في حده الأدنى 37500 عنصر موزعين على 25 لواءً وفي حده الأقصى 52500 عنصر في حال تمكن معسكر أبوظبي من رفع عدد الألوية إلى 35. ووفقاً للمصادر نفسها، كلفت أبوظبي كلا من رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي، ولجنة إماراتية مكونة من ضباط إماراتيين، ويشرف عليهم قائد قوات التحالف العربي في عدن، الإماراتي راشد الغفلي المكنّى أبو محمد، بإنجاز هذه المهمة.

وبحسب المصادر، إن هذه الألوية العسكرية ستوزع على مناطق الجنوب، وستتولى بسط سيطرتها على المحافظات، وحدود الجنوب مع الشمال، كما ستبسط قبضتها على الثروات في جميع المناطق الجنوبية، وستتولى طرد الألوية التابعة للشرعية.

ووفق المعلومات التي استقتها "العربي الجديد" من مصادر عسكرية في الشرعية، فإن الإمارات تزود هذه الألوية بمئات الآليات والمدرعات والأطقم العسكرية، وتقيم لها مراكز تدريب وفي الوقت نفسه تحاول تشويه صورة ودور الجيش الوطني التابع للشرعية. ولا توجد إحصائية دقيقة حول أعداد الجيش اليمني، لكن التقديرات تشير إلى ما بين 200 و250 ألفاً. ويشكك كثر في دقة الأرقام المعلنة، أخذاً في الاعتبار الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية والانتشار الظاهر للجنود الوهميين.

وخلال الفترة الأخيرة، حاولت الإمارات عزل الألوية التابعة للشرعية وعملت على تصدر تشكيلات تابعة لها مسماة ألوية الصاعقة للمشهد العسكري، بما في ذلك نقلها إلى الجبهات والتحكم في سير المعارك وإدارتها، وعدم إعطاء القيادات العسكرية والألوية التابعة للشرعية أي دور، لا سيما في حدود لحج- تعز، وحدود الضالع-إب، وحدود يافع وأبين مع البيضاء.
وتدفع الإمارات رواتب عناصر هذه الألوية بالريال السعودي، فيما تشير كل المعلومات من مصادر عدة في الشرعية والانتقالي، إلى أنها توظف دورها في التحالف العربي لإقناع المواطنين اليمنيين بالانضمام لها في محاولة لعرقلة جهود الشرعية التي تسعى لاستقطاب مجندين لألويتها.

في موازاة ذلك، كشفت مصادر موالية للانتقالي أن قيادات موالية للشرعية، رفضت الانخراط في صفوف المعسكر الإماراتي تحديداً في جبهات الصبيحة والضالع وأبين، وهو ما أدى إلى شنّ هجمات عليها ترافقت مع ضغوط حتى أجبرتها على ترك الجبهات والمواقع وتسليمها لقيادات موالية للانتقالي. وتشهد هذه الجبهات اهتماماً كبيراً من الإماراتيين وحتى السعوديين بعد أن أهملوها كثيراً بسبب تبعيتها للشرعية. ومع أن هناك ألوية تابعة للشرعية في بعض تلك الجبهات تحقق انتصارات، لكن يحسب الإعلام الانتصارات للتشكيلة التابعة للإمارات والتي فشلت حتى اللحظة من تحقيق أي انتصار يذكر.

من جهته، يؤكد مصدر عسكري في المنطقة العسكرية الرابعة لـ"العربي الجديد "أنهم في الشرعية يراقبون عن كثب هذه الخطوة لا سيما أنه تم رصد خلال شهر يونيو/حزيران الماضي وجود تزايد في محاولات استقطاب قيادات عسكرية وأمنية في صفوف الشرعية إلى معسكر الإمارات وحلفائها لمسك وقيادة هذه الألوية". في المقابل، أكد المصدر أن هناك قيادات بارزة محسوبة على المعسكر الإماراتي باتت تدعم الشرعية، لكنه رفض ذكر أسماء محددة، مشيراً إلى أن ما يجري "يدمر الجنوب وقضيته". ويضيف: "لدينا حتما مخاوف قد لا تهم الطرف الآخر (الإماراتي)، والذي يدفع مسرعاً نحو التصعيد، وهي مخاوف من تفجير صراع يروح ضحيته المواطن اليمني عموماً والجنوبي خصوصاً".

في هذه الأثناء، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الإمارات تخطط منذ حوالي العام لسحب معظم قواتها من الحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، مبينة أن أبوظبي تسعى للخلاص من حرب جلبت لها معارضة كبيرة في واشنطن وخشية انتقام إيراني حال حدوث مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. وبحسب الصحيفة، بدأت أبوظبي، في الأسابيع الأخيرة، بسحب الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية خارج اليمن، وفقا لمسؤولين غربيين. وأضاف المسؤولون أنها سحبت أيضاً مئات الجنود من ساحل البحر الأحمر، بمن فيهم الذين وُجِدوا بمدينة الحديدة الساحلية التي تعد البوابة الرئيسية للبلاد في ما يخص المساعدات الإنسانية.

وبحسب ما تنقله "وول ستريت جورنال" عن مصادرها، فإنه مع تعاظم المعارضة في واشنطن للحملة العسكرية باليمن، يخشى الإماراتيون أن تكون بلادهم من أول أهداف طهران الانتقامية إذا أمر الرئيس دونالد ترامب بشن ضربات عسكرية على طهران، كما تهدف الإمارات بحسب المصادر إلى تركيز جهودها في اليمن على محاربة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وهي بدأت خطط الانسحاب منذ حوالي العام. وعن ردود الفعل على الخطط الإماراتية، قالت الصحيفة أن واشنطن والرياض استقبلتا الخطوة بالمخاوف من أن الحوثيين سيعتبرون التراجع الإماراتي انتصارا لهم، وأنه بلا شك سيكون هناك توتر بين أبوظبي والرياض نتيجة الانسحاب الإماراتي. وقبل أيام أيضاً، قالت أربعة مصادر دبلوماسية غربية لوكالة رويترز، إن الإمارات تقلص وجودها العسكري هناك بسبب التهديدات الأمنية الناتجة من تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. وذكر اثنان من الدبلوماسيين أن الإمارات سحبت بعض القوات من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن. وذكر ثلاثة من الدبلوماسيين أن أبوظبي تفضل أن تكون قواتها ومعداتها قيد تصرفها، في حال تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد الهجمات على ناقلات نفط في الخليج وإسقاط طهران طائرة أميركية مسيرة. وقال مسؤول إماراتي كبير لرويترز: "صحيح أن هناك بعض التحركات للقوات... لكنها ليست إعادة انتشار من اليمن"، مضيفاً أن الإمارات ما زالت ملتزمة تماما بالتحالف العسكري و"لن تترك فراغا" في اليمن.

المساهمون