عراقيل قمة برلين: الخلافات الإقليمية والصراع الأميركي الروسي على تقاسم الكعكة الليبية

30 نوفمبر 2019
بروز الخلاف الأميركي الروسي يزيد العراقيل أمام قمة برلين(Getty)
+ الخط -
ما تزال ألمانيا تحشد لعقد مؤتمر دولي، في غياب الفاعلين المحليين، بهدف تفكيك معادلة الصراع الليبي الذي صعُب على ملتقيات دولية سابقة وجهود أممية وضع حلول لها طيلة ثماني سنوات.

وفي وقت يعتقد كثير من مراقبي الشأن الليبي أن الأمور وصلت إلى مرحلة ما قبل الأخير بعد أن أدرك كل طرف دولي عجزه عن حسم الأمر لصالحه، ما تزال المساعي الألمانية التي وُصفت بـ"الفرصة الأخيرة" تواجه عراقيل مستمرة ومتراكمة، على خلفية زيادة التصعيد العسكري، جنوب طرابلس، لا سيما بعد بروز الخلاف الأميركي الروسي، حيث تتهم الأولى الثانية بنشر قوات لها داخل صفوف قوات حفتر، سعيا إلى توسيع نفوذها في البلاد، مع ميل أوروبي إلى الموقف الأميركي الرافض للتوغل الروسي.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، خليفة الحداد، على وجود خلافات دولية بشأن ليبيا، إلا أنه يرى أن الخلافات الإقليمية أكثر تأثيرا في عرقلة التوصل إلى تفاهمات في كواليس مشاورات الإعداد لقمة برلين.





ورغم تداول تقارير دولية أنباء حول عزم ألمانيا استضافة قمة بشأن ليبيا، منذ يوليو/تموز الماضي، إلا أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تحدثت بشكل رسمي، في كلمة أمام برلمان بلادها، مطلع سبتمبر الماضي، عن مساعيها لاستضافة برلين قمة حول ليبيا، منتصف نوفمبر الجاري. ورغم انقضاء الشهر المقرر لعقد القمة، لم يُعلن حتى الآن عن موعدها، وسط تكهنات بإمكانية تأجيلها حتى مطلع العام المقبل.

ويوضح الحداد رأيه بالقول لـ"العربي الجديد" إن "حلفاء حفتر الإقليميين لا يرغبون في تمثيل دول الجوار المغاربي لليبيا في المؤتمر، سعيا منهم لعدم وجود أطراف تؤثر في ترجيح الكفة لغير حليفهم"، لافتا إلى أن حدة الخلافات الإقليمية قد تزداد بعد مذكرة التفاهم الأمني الموقّعة بين حكومة الوفاق والحكومة التركية.
وأضاف "يبدو أن الأطراف الدولية قطعت مسافات نحو الحل، فقناعتها بضرورة حل خلافاتها في ليبيا لم تكن لتحدث لولا تأكدهم من فشل عملية حفتر العسكرية على طرابلس". 

ويميط دبلوماسي ليبي اللثام عن جوانب من المبادرة الألمانية التي ستدفع بها خلال الجلسة الرابعة التي ستستضيفها برلين في ديسمبر/كانون الأول المقبل بين الأطراف الدولية الرئيسة المشاركة في القمة لحلحلة ما طرأ من خلافات وتصعيد سياسي بين واشنطن وموسكو، مؤكدا أن الجانب الألماني سيحاول إقناع ممثلي الأطراف بصيغة حل سياسي جديد في ليبيا أساسه التوزيع الفيدرالي.


الفيدرالية وتقاسم الكعكة الليبية 

ويضيف الدبلوماسي الليبي لـ"العربي الجديد" أن "أطرافا دولية، من بينها دول إقليمية، ناقشت حلا على أساس إلغاء المركزية في ليبيا وتوزيع تسع محافظات في ليبيا وفق صلاحيات البلديات المستقلة ذاتيا تقودها حكومة وحدة وطنية"، لافتا إلى أن "المقترح لقي معارضة أميركية واضحة".
ويشير الدبلوماسي، الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى أن ما رشح حتى الآن هو طلب أميركي بإرجاء جلسة التشاور، التي كان مقررا عقدها مطلع ديسمبر المقبل، إلى العاشر من ديسمبر، انتظارا لجهود يبذلها دبلوماسيوها حاليا من أجل وقف الحرب وإقناع الأطراف الليبية بالقبول بالتفاوض حول حل سياسي، مؤكدا أن واشنطن ترغب في إشراك الأطراف الليبية، ولو بشكل غير مباشر، في التوصل إلى تفاهمات حول شكل الحل في ليبيا.

وبشأن المقترح الألماني، قال الدبلوماسي إن "ألمانيا تحاول التقليل من حدة الخلاف الأميركي الروسي تفاديا لفشل المؤتمر، وبالتالي فهي ترى أن الحل الفيدرالي الذي يضمن توزيع الثروة الليبية وتقاسم مراكز السلطة بين الأطراف الليبية هو الأقرب إلى تحقيق مصالح تلك الدول"، مشيرا إلى أنها أقنعت ممثلي الدول الكبرى باستحالة إجراء انتخابات وإقرار دستور في ظل استمرار الصراع وحدة الاستقطاب في ليبيا.

وإزاء هذه المعلومات، لا يرى المحلل السياسي الليبي سعيد الجواشي، أن قمة برلين ستأتي بجديد يمكن أن ترضى به الأطراف الليبية، إلا إذا كان الأمر يتعلق بوصاية دولية تُفرض على الليبيين على شكل قرارات صادرة من مجلس الأمن.

وتساءل "كيف يمكن إقناع حفتر الذي يسيطر على ثلاثة أرباع ليبيا بالقبول بحل يقصي سيطرته الحالية ويحوله إلى حاكم إقليم واحد فقط؟ أعتقد أن هذا ضرب من المستحيل".
ويقول متحدثا لـ"العربي الجديد" إن "القمة ستبدو بشكلها الحالي المسرب تقاسما للكعكة الليبية بين المتصارعين، وليس حلا جذريا للأزمة محليا".
وأكد الجواشي أن القمة ستستمر عراقيلها ما لم يخرج الحل من داخل ليبيا وترجع الأمور إلى ما قبل إبريل، من خلال ملتقى ليبي جامع تُبنى على أساسه تفاهمات بين الدول المتدخلة في ليبيا وليس العكس.




ولفت الجواشي إلى أن أولى العراقيل التي تواجه نتائج القمة وصلاحيتها دخول تركيا على خط الأزمة من خلال تفاهم أمني بينها وبين حكومة الوفاق، مشيرا إلى أن الأصداء المعارضة لمذكرة التفاهم تعكس تزايد التدخل في ليبيا بدلا من تحجيمه.

ويعتبر الجواشي أن هناك تهويلا بشأن دور واشنطن الجديد في ليبيا وإمكانية إقناعها الأطراف الليبية بضرورة الحل السياسي، وقال "لا أعرف لماذا ستنجح واشنطن في ليبيا وقد فشلت سياستها في اليمن وسورية والعراق وغيرها".
وحول تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، بشأن توصل مشاورات قمة برلين إلى ست قضايا منها: العودة إلى الاتفاق السياسي، ووقف القتال، وحظر توريد السلاح، وإطلاق إصلاحات اقتصادية، وترتيبات أمنية في العاصمة طرابلس، يؤكد الجواشي أنها تصريحات يجترها سلامة في كل مرة ولا جديد فيها.
وأوضح الجواشي أن تصريحات سلامة لا تزيد عن حد التفاؤل الذي بعثته في نفوس الليبيين خلال الأيام التي سبقت إطلاق لقاء غدامس، قبل أن يكتسحه حفتر عسكريا، وأعترف مؤخرا بأنه كان على علم بإعداد حفتر حملة عسكرية على طرابلس.​