مقاطعة سياسية ومدنية تهدد هيئة الحوار الوطني بالجزائر

29 يوليو 2019
تواجه هيئة الحوار رفضاً شعبياً (Getty)
+ الخط -
ردّت شخصيات سياسية ومدنية ونقابية عدة بالجزائر، اليوم الإثنين، بالرفض على دعوة هيئة الحوار الوطني لها للانضمام إليها، والمساهمة في إدارة الحوار السياسي في هذا البلد، في محاولة لإنجاز حلٍّ للأزمة المستمرة فيه منذ اندلاع التظاهرات في 22 فبراير الماضي، ما يعقّد من وضع الهيئة ويصعّب مهامها، ويؤشر إلى تصاعد الرفض الشعبي والسياسي لتشكيلتها والطريقة التي تم من خلالها تشكيلها.

وتواجه هيئة الحوار في الجزائر مقاطعة سياسية ومدنية وشعبية، بعد تصاعد المواقف الرافضة لها وللتعاون معها.

وأعلن رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق مولود حمروش، رفضه دعوة وجّهتها له هيئة الحوار الوطني للانضمام إليها، مجدداً رفضه المشاركة في أي هيئة انتقالية أو الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ونشر حمروش بياناً وزّع على الصحافة جاء فيه: "أذكر أعضاء مجموعة الحوار والمنتديات الأخرى بتصريحي الصادر يوم 18 إبريل الأخير، الذي أكدت من خلاله أنني لن أكون مرشحاً لأي هيئة انتقالية محتملة ولأي انتخاب". واعتبر حمروش أن "الحركة الوحدوية والسلمية للشعب، ومنذ 22 فبراير الماضي، أبطلت بصفة مؤقتة مجموعة من عوامل زعزعة الاستقرار، كما أوقفت تهديدات وشيكة".

وحذر رئيس الحكومة الأسبق، الذي ورد اسمه ضمن قائمة الـ23 شخصية التي دعتها هيئة الحوار للانضمام إليها، من أن تأخر استجابة السلطة لمطالب الحراك الشعبي "قد يدفع إلى تزايد مخاطر الفوضى"، معتبراً أن "هذه التهديدات لم تزُل بعد، وهي في طور التكوين، ولذلك استوجب على من يمسكون بمقاليد الحكم، التحرك من أجل الاستجابة للحراك وتعبئة البلاد، تفادياً لوقوعها في فخاخ الفوضى".

بدوره، أعلن الناشط السياسي والحقوقي مقران آيت العربي، رفضه الانضمام إلى فريق هيئة الحوار، وناشراً بياناً اليوم رفض فيه "المشاركة في أي حوار يرفضه الحراك"، ومعتبراً أن طلب انضمامه، الذي وجهته له الهيئة، جاء من السلطة السياسية التي يرفض الاعتراف بها، ولا يشكل "نداءً وطنياً".

وقال الناشط السياسي والحقوقي: "ورد اسمي ضمن قائمة الأشخاص الذين وجّهت لهم لجنة قيادة الحوار نداءً، وطلبت منهم الاستجابة لنداء الوطن، علينا أن نفرق بين نداء السلطة ونداء الوطن"، مشيراً إلى أن سبب رفضه يعود إلى تحديد السلطة لسقف الحوار، إذ "لا يمكنني أن أفكر في أي حوار تحدّد السلطة أهدافه، من الناحية المبدئية يعتبر الحوار وسيلة لتقريب وجهات النظر لحل الأزمات، ولكن الهدف الوحيد لهذا الحوار المسطر من طرف السلطة لا يتعدى تحضير الانتخابات الرئاسية. كما لا يمكن لأي حوار مهما كان هدفه وتشكيلته، أن ينجح قبل اتخاذ إجراءات تهدئة ملموسة من طرف السلطة، وضمانات كافية لاحترام الحريات والحقوق".

ووضع آيت العربي تسعة شروط تسبق أي موافقة على المشاركة في الحوار، وهي الإفراج عن جميع معتقلي الرأي من دون قيد أو شرط، ووقف التضييق على الحريات العامّة الفردية والجماعية، ووضع حد للاعتداء على حقوق الإنسان، ومنع استخدام القوة من طرف أجهزة الأمن ضد المتظاهرين المسالمين، واتخاذ إجراءات تأديبية وجزائية ضد الأعوان وضباطهم الذين يستعملون العنف من دون مبرر قانوني، وفك الحصار يومي الثلاثاء والجمعة على مدينة الجزائر، واحترام حرية التنقل، وإبعاد رموز نظام الفساد، ورفع منع الراية الأمازيغية، وفتح وسائل الإعلام العمومية للنقاش الحرّ.


من جهته حسم المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني للتعليم، كبرى النقابات التربية والتعليم في الجزائر، مسعود بوديبة موقفه، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه لا يستطيع المشاركة في خريطة طريق "لا تتوافق مع تلك التي صادق عليها تنظيمه النقابي ضمن كتلة كونفدرالية النقابات وفعاليات المجتمع المدني، والمتضمنة رفض إجراء أي حوار مع السلطة المتمثلة في رئيس الدولة عبد القادر بن صالح".

وفي السياق، أعلن الناشط النقابي البارز إلياس مرابط، الذي يدير كبرى نقابات الصحة في الجزائر، رفضه المشاركة في فريق الحوار، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه لا يمكن القبول بواقع سياسي تصبح فيه المطالبة بالإفراج عن الناشطين المعتقلين مقايضة سياسية مقابل الحوار، مشيراً إلى اعتباره أن الظروف المناسبة للحوار لم تتوفر حتى الآن، ولافتاً إلى أن السلطة أبدت نوعاً من التسرع في دفع الأمور، وهذا يؤكد أنها بصدد المناورة عبر هيئة الحوار للتهرب من الاستجابة لمطالب الشعب المتعلقة بتغيير النظام والقطيعة السياسية، لا بمطالب تخصّ الإفراج عن المعتقلين وتحرير الإعلام، التي يفترض ألا تكون موجودة أصلاً بعد 22 فبراير.



وقال مرابط: "في مسيرات الجمعة، رأينا ردود فعل الشارع إزاء مناورة السلطة بالحوار، ويتعين على السلطة فهم هذه الرسالة جدياً، لتلافي إطالة عمر الأزمة"، لافتاً إلى أن تشكيلة الهيئة التي أعلنتها الرئاسة الخميس غير متوازنة بالمطلق، في إشارة منه إلى تشكيلة فريق الحوار الذي نصبه رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الخميس الماضي برئاسة رئيس البرلمان السابق كريم يونس، وعضوية الخبيرة الدستورية فتيحة بن عبو والخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس والنقابي عبد الوهاب بن جلول، والأكاديمي عز الدين بن عيسى والعضو السابق في المجلس الدستوري بوزيد لزهاري، وذلك قبل أن تقرر اللجنة ضم الشاب ياسين بوخنفير إليها.

من جهتها، رفضت ظريفة بن مهيدي، شقيقة الزعيم الثوري الراحل العربي بن مهيدي، دعوة هيئة الحوار للانضمام إليها، قائلة في نقاش مع الشباب وسط العاصمة بأنها لن تنضم إلى هيئة الحوار، معربة عن استغرابها من توجيه الدعوة إليها، لكونها ليست معنية بأي عمل سياسي، ومطالبة السلطة بالاستجابة الفورية لمطالب الشعب والشباب.

واشترط رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرزاق قسوم، حصوله على تفويض من الجمعية قبل الانضمام إلى هيئة الحوار. وقال قسوم في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لا يرفض من الناحية المبدئية دعوة للحوار، لكنه لا يملك وحده حق اتخاذ القرار النهائي بشأن الانضمام إلى الهيئة، وهو قرار موكل إلى قرار الهيئة المديرة للجمعية التي ستجتمع الثلاثاء. 

وكانت هيئة الحوار الوطني في الجزائر قد أعلنت الأحد اقتراح توسعة قائمة أعضائها، داعية 23 شخصية سياسية وأكاديمية للمشاركة في إدارة الحوار السياسي لحل الأزمة الراهنة في البلاد، أبرزهم العربي والمناضلة الثورية جميلة بوحيرد ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي وثلاثة من رؤساء الحكومة السابقين، وهم مولود حمروش وأحمد بن بيتور ومقداد سيفي، ووزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي، والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس، والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، كما دعت الهيئة أيضاً النقابيين الياس مرابط ومسعود  بوديبة، ورئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم، والداعية سعيد بويزري، والإعلامية حدة حزام، والزعيم القبلي في الجنوب براهيم غومة، وضريفة بن مهيدي، شقيقة الزعيم الثوري العربي بن مهيدي، إلى الانضمام إليها.


وتعقد مواقف الرفض والتردد للمشاركة في الهيئة من وضعيتها، لكن المخاوف المركزية الآن تتعلق بإمكانية انتقال هذه المواقف الرافضة إلى حالة مقاطعة رفض للتعاون والحوار مع الهيئة، ما يفتح الطريق أمام حالتين، هما إما الإقرار بالفشل المسبق والإسراع في مراجعة السلطة بشأن تشكيلة اللجنة وإعادة تشكيلها من جديد، أخذاً بالاعتبار التحفظات المعلنة مع مجموع القوى والشخصيات حول تركيبتها الأولى، أو مباشرة الحوار بمن حضر ومهما كان مستوى المقاطعة، وهو خيار سيعقّد الأزمة ويدفع الشارع إلى خيارات أخرى.