في وقت لا يزال فيه اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب السورية ومحيطها صامداً بعد خمسة أيام من التوصل إليه بين موسكو وأنقرة، طرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الروسي فلاديمير بوتين تسوية جديدة تقوم على التشارك في إدارة حقول النفط في محافظة دير الزور بدلاً من القوات التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على الحقول حالياً، وذلك في موازاة توسيع المشاورات التركية الأوروبية للوصول لحل لأزمة اللاجئين السوريين. في المقابل، كان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو يحدد خطوط اتفاق موسكو، معلناً أن "جنوب الطريق الدولي "إم 4" سيخضع للرقابة الروسية وشماله سيكون تحت رقابتنا (تركيا)"، ما يعني بقاء الوضع الميداني الراهن على ما هو عليه.
وأعلن أردوغان أمس، في تصريحات للصحافيين على متن طائرته أثناء العودة من بروكسل، أنه طلب من بوتين التشارك في إدارة حقول النفط في دير الزور بدلاً من "استغلال الإرهابيين" لها. وقال "عرضت على بوتين أنه إذا قدّم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا عمل البنية ومن خلال النفط المستخرج هنا، يمكننا مساعدة سورية المدمرة في الوقوف على قدميها". وأضاف أن بوتين يدرس العرض، مشيراً إلى أنه يمكنه تقديم عرض مماثل للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما أعلن الرئيس التركي أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزوران إسطنبول الثلاثاء المقبل لمناقشة أزمة الهجرة. وأضاف أن القمة ستكون رباعية في حال تمكّن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من الانضمام إليها. وأردف: "مسألة إدلب وسورية واللاجئين تعد اختبار إرادة وقيادة للاتحاد الأوروبي أكثر من تركيا". ودعا الاتحاد الأوروبي للقيام بمسؤولياته في الوقت الذي دفعت فيه تركيا ثمناً باهظاً لوقف إطلاق النار في إدلب وتوفير الأمن للمدنيين. وأكد إمكانية بدء مرحلة جديدة مع الاتحاد، وأنّ بلاده أقدمت وستقدم على خطوات كبيرة في هذا الصدد. ودعا اليونان لفتح أبوابها لطالبي اللجوء.
من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس، أن "جنوب الطريق الدولي "إم 4" سيخضع للرقابة الروسية وشماله سيكون تحت رقابتنا (تركيا)". وأكد في كلمة له خلال مشاركته في اجتماع محرري "الأناضول" في أنقرة، أن بلاده تواصل العمل من أجل وقف إطلاق نار دائم في إدلب. وشدد على أن وقف الاقتتال يعد شرطا أساسيا لحل الأزمة السورية، مشيراً إلى أن وقف إطلاق النار يمهد لفتح الطريق الدولي "إم 4". وأردف قائلاً: "سنسيّر دوريات مشتركة مع روسيا في هذا الطريق الدولي، ولن يحدث أي هجوم يستهدف "إم 4" من قِبل النظام السوري أو المتطرفين". ولفت إلى أنه "أمس (الإثنين) حدث خرق من قبل النظام في إدلب وروسيا حذرته بصرامة"، مضيفاً أن الجنود الأتراك سيقومون بما قاموا به سابقاً، في حال حاول النظام التقدّم على الرغم من وقف إطلاق النار.
وشدد الوزير التركي على ضرورة تعامل الولايات المتحدة والدول الأوروبية كحليف صادق ودائم مع تركيا، لافتاً في هذا السياق إلى حاجة تركيا لمنظومة الدفاع الجوي "باتريوت". وأضاف: "الأميركيون صرحوا بأنهم سيوفرون دعما استخباراتيا وبريا لتركيا في ما يخص الأوضاع في إدلب، وبإمكانهم نشر منظومة باتريوت على الحدود"، مستطرداً "وجود منظومة "إس 400" الروسية في تركيا لا يعيق نشر منظومة باتريوت، فتركيا بحاجة لمنظومة دفاع جوي". وأعلن أن تركيا انتقلت إلى مرحلة جديدة من الحوار مع الاتحاد الأوروبي، موضحاً أن عهد المماطلة انتهى وسيتم رسم خارطة طريق مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين.
ويعني كلام الوزير التركي حول اتفاق موسكو الموقّع الخميس الماضي، بقاء الوضع الميداني الراهن على ما هو عليه، مع خسارة فصائل المعارضة للجزء الجنوبي المتبقي لها في "منطقة خفض التصعيد"، جنوب طريق حلب-اللاذقية (إم 4)، بالإضافة إلى خسارتها كافة المناطق التي سيطر عليها النظام في الجنوب والشرق، مع الاحتفاظ بمساحة تمتد على طول الطريق المذكور المار من إدلب، بعمق حوالي 30 كيلومتراً تبدأ من الحدود التركية-السورية وصولاً إلى "إم 4".
ويعني ذلك أيضاً، أن النظام والروس، ومعهم الإيرانيون، سيستمرون في سيطرتهم على الطريق الدولي "إم 5" (حلب-دمشق) وكل المناطق الواقعة على جانبي الطريق، من سراقب شرقي إدلب وحتى مورك في الريف الشمالي من حماة، مروراً بمدن وقرى هامة كمعرة النعمان وخان شيخون وعشرات القرى بين الريفين الجنوبي والشرقي من إدلب، والشمالي والغربي من حماة، بالإضافة لمناطق جبل الزاوية جنوب إدلب وسهل الغاب غربي حماة. فيما يُتوقع بقاء السيطرة عند خطوط التماس على حالها في ريف حلب الغربي، الذي قضم النظام أخيراً جزءاً واسعاً من مساحته خلال المعارك الأخيرة، والتي كانت تحت سيطرة المعارضة والمشمولة ضمن "منطقة خفض التصعيد"، فيما تبقى مساحة مقتضبة تحت سيطرة المعارضة من ذلك الريف، ولا سيما مدينتي دارة عزة والأتارب ومحيطهما، على تخوم الريف الشمالي الشرقي من محافظة إدلب.
في غضون ذلك، تناقش الولايات المتحدة مع شركائها في حلف شمال الأطلسي ما يمكن تقديمه لتركيا كمساعدة عسكرية في إدلب، والإجراءات التي قد تُتخذ إذا انتهكت روسيا والنظام السوري وقف إطلاق النار. وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف من بروكسل أمس، حيث يجري محادثات مع الحلفاء "نبحث ما يمكن لحلف شمال الأطلسي فعله". وأضاف "كل شيء مطروح على الطاولة". واستبعد جيفري الذي كان يتحدث وبجانبه السفير الأميركي في تركيا ديفيد ساترفيلد استخدام القوات البرية في حال انتهاك وقف إطلاق النار، وأكد حاجة أنقرة لتوضيح موقفها من شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس 400".
في المقابل، بدأت الورش الفنية التابعة للنظام أمس في إزالة السواتر والعوائق على مدخل الطريق الدولي "إم 4" من جهة اللاذقية تمهيداً لوضعه في الخدمة، وفق وكالة "سانا".
في غضون ذلك، رفض نشطاء في إدلب، سلخ أي جزءٍ من "منطقة خفض التصعيد" وتسليمها للنظام وروسيا بموجب الاتفاقات بين موسكو وأنقرة. وطالب النشطاء في بيان أمس "الجانب التركي بدعم الفصائل المقاتلة لاستعادة ما تم احتلاله أخيراً، لضمان عودة المدنيين إليها". وأشار النشطاء في بيانهم إلى أن "أي إشراف روسي على المنطقة الواقعة جنوب "إم 4" يعني سيطرة للنظام وروسيا، وبالتالي تأكيد تصريحات النظام في اقتراب السيطرة على أريحا وجسر الشغور وجبل الزاوية، في حال طبق الاتفاق، وهذا لا يتناسب مع مطالب ملايين المدنيين في المنطقة". ولفتوا إلى أن "سيطرة روسيا على تلك المناطق، ستمنع مئات آلاف المدنيين من العودة لها".
استمرار الغموض حول مستقبل إدلب، ينعكس على حالة المدنيين، ولا سيما النازحين منهم، الذين باتوا يترقبون ما هو آتٍ، من دون تمكنهم من حسم مستقبلهم في المحافظة. باسل أبو محمد، أحد هؤلاء المدنيين، وهو تاجر حمل بضاعته ونزح مع عائلته من معرة النعمان قبل دخول قوات النظام إليها أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، نحو بلدة سرمدا الحدودية مع تركيا، يقول في حديث مع "العربي الجديد" إنه في حيرة من أمره كما غيره من مئات آلاف النازحين، من أن ينقل مكان نزوحه مع بضاعته إلى مناطق أكثر أمناً خارج دائرة المواجهات والاستهداف، ولا سيما مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمالي حلب، أو بقائه على أمل انتظار فرصة أخرى، على الصعيد السياسي أو العسكري، تحمل في نهايتها عودته إلى مدينته. لكنه لا يزال يعوّل على دور تركي حقيقي، في استرداد المناطق بوسائل عسكرية أو دبلوماسية، معتبراً أن من واجب الأتراك الضغط بكل الوسائل لتطبيق اتفاق سوتشي، ما سيجبر النظام على الانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية، ما سيمكّن الآلاف من النازحين الذين يعيشون في واقع سيئ في المخيمات أو تحت الأشجار من العودة.