انفصاليو جنوب اليمن... مساع للحضور تزامنا مع مفاوضات الكويت

15 ابريل 2016
تجاهل القضية الجنوبية يعود للتخبط السياسي (جون بولمر/Getty)
+ الخط -
قُبيل انطلاق مفاوضات الكويت المرتقبة بين أطراف الصراع اليمني في 18 أبريل/نيسان الحالي، ارتفعت أصوات قيادات الحراك الجنوبي وناشطيه بالشكوى من استثناء قضيتهم القديمة الجديدة بالانفصال، من المفاوضات، كما هو الحال مع كل توقيع على تسوية بين الأطراف السياسية اليمنية، ومع ظهور مؤشرات التوصل لتسوية سياسية في المفاوضات المرتقبة، يتخوف الجنوبيون من ضياع فرصة لفت أنظار المجتمع الدولي لقضيتهم. تحركت قيادات جنوبية في الداخل والخارج، أخيراً، تستنكر عدم إدراج القضية ضمن أجندة المفاوضات وتبعتها تحركات سياسية ودعوات لمليونية في عدن موجّهة للمتفاوضين في الكويت.

وتصدّرت القضية الجنوبية الأزمة اليمنية منذ ثورة فبراير/شباط عام 2011، على الرغم من أن مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم مطلع 2014، دعا لحل القضية من جميع جوانبها، وأقر التحول إلى النظام الفيدرالي، إلّا أن الأصوات المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله لم تهدأ بعد. وتسببت سياسات النظام السابق بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح التي انتهجها بعد انتصار قواته في حرب صيف 1994 مع القوات الجنوبية في مطالبة قطاع واسع من أبناء المحافظات الجنوبية بالانفصال. وقام نظام صالح بتسريح آلاف العسكريين من مناصبهم وسمح لمتنفذين بالسطو على المئات من الكيلومترات من الأراضي، فضلاً عن استهداف منشآت ومؤسسات تعود لدولة اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً قبل توقيع الوحدة بين شطرَي اليمني عام 1990.

ويسود شعور عام في الشارع الجنوبي بأن عدم تحقيق مطالبهم أو على الأقل تسجيل حضور قوي للقضية الجنوبية في المفاوضات المقبلة يعني ضياع سنوات من النضال وفوات فرصة سانحة من أيديهم. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2011، وقّعت الأطراف السياسية اليمنية على المبادرة الخليجية التي بموجبها تخلّى صالح عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي. في حينها، لم تذكر المبادرة بأي من بنودها القضية الجنوبية، على الرغم من أن أبرز أهداف ثورة فبراير الشبابية حلّ القضية الجنوبية بشكل عادل.

في السياق ذاته، مرّت اتفاقية السلم والشراكة التي خضعت الأطراف السياسية لتوقيعها بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، من دون الإشارة للجنوب من قريب أو بعيد، الأمر الذي خلق استياءً واسعاً في صفوف الحراك الجنوبي، وهو ما لا يتمنون تكراره في مفاوضات الكويت المرتقبة.

وشهدت الأيام القليلة الماضية لقاءات بين قادة سياسيين، وإعلان مبادرات لإيجاد حل لقضية الجنوب أملاً في الضغط على المجتمع الدولي لوضع مساحة للقضية في مفاوضات الكويت. وبدأت هذه التحركات بإعلان مستشار الرئيس هادي، القيادي الجنوبي البارز حيدر أبو بكر العطاس مبادرة لحل القضية الجنوبية تتضمن تقسيم البلاد إلى إقليمَين فيدراليَّين (شمالي وجنوبي) لمدة خمس سنوات، ومن ثم يتحولان إلى دولتَين تدخلان في وحدة كونفدرالية لضمان مصالحهما الكبرى، ويتم ضمّهما لمجلس التعاون الخليجي.


ولم يتأخر آخر رئيس حكم اليمن الجنوبي قبل الوحدة مع الشمال، علي سالم البيض برفقة رئيس حزب الرابطة عبدالرحمن الجفري عن إعلان التوقيع على وثيقة "توحيد الجهود" التي تؤكد على مطلب الانفصال الفوري بعيداً عن أي حلول أخرى تماشياً مع توجه الشارع الجنوبي، بحسب البيان الصادر عنهما قبل أيام. وارتكزت الوثيقة على أهداف ما تسمى بـ"الثورة التحررية الجنوبية" المتمثلة في التحرير والاستقلال وبناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة على كامل الأراضي الجنوبية، وفق حدودها المعروفة دولياً قبل عام 1990.

وتفيد أنباء بتوجه قيادات وناشطين في الحراك الجنوبي إلى العاصمة السعودية الرياض للقاء مسؤولين سعوديين قبيل أيام من انطلاق مفاوضات الكويت. في غضون ذلك، دعت قيادات ومكوّنات في الحراك الجنوبي إلى تظاهرة مليونية في 17 أبريل/نيسان الحالي للفت أنظار المتفاوضين بالكويت والمجتمع الدولي لقضية الجنوب. ويرجع محللون سياسيون عدم اقتناع المجتمع الدولي والإقليمي بإيجاد حل خاص للقضية الجنوبية إلى ضعف وهشاشة مواقف القيادات الجنوبية التاريخية التي لا تزال هي نفسها تتصدر المشهد، ولم تستطع الاتفاق على رؤية واضحة للحل.

في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، الصحافي فؤاد مسعد إنّ التعاطي الراهن مع قضية الجنوب من قبل الفاعلين إقليمياً مبرَّر من جوانب عدة، في مقدمتها وهو الأهم أنّ المجتمع الدولي يرى أن كل قضايا اليمن ومشاكله تنطلق من كونه بلداً واحداً، وبالتالي لا يمكن التعامل مع قضاياه وفي طليعتها القضية الجنوبية إلّا من هذا المنظور. ويضيف مسعد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّه لا يبدو أن هناك رؤية جنوبية تبلورت منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية التي باتت تعرف باسم الحراك الجنوبي. "ونقصد هنا رؤية واقعية تتعاطى بموضوعية في نظرتها للجذور وتصورها للحلول الممكنة، لأن المجتمع الدولي يصعب أن يتعامل مع شعارات وخطابات تأتي من خارج الفعل السياسي الرسمي"، وفقاً له.

ويقول مسعد "إذا نظرنا إلى الوثيقة التي وقّعها، أخيراً، البيض والجفري سنجد فيها مثالاً واقعياً على ذلك، خصوصاً حين نرى أن البيض يقدّم نفسه كرئيس لدولة عملياً ليست موجودة لأنه حين أعلنها عام 1994 لم يعترف بها أحد"، على حدّ تعبيره. ويشير إلى أنه يمكن النظر لرؤية الإقليمَين كمقدمة للحلّ بإيجابية بغض النظر عن اعتراض قطاع عريض من الحراك الجنوبي الذي لا يقبل إلا بانفصال ناجز وغير مشروط أو مزمن.

من جهته، يرى رئيس تحرير صحيفة "الأمناء" الصادرة من عدن، عدنان الأعجم أن ما يحصل من تجاهل للقضية الجنوبية من الفاعلين الدوليين يعود للتخبط السياسي الذي لا يزال يعيشه الجنوب نتيجة لعدم جدية الظهير السياسي في مواكبة مرحلة ما بعد الحرب. ويضيف الأعجم في حديثه لـ"العربي الجديد": "يبقى الشارع الجنوبي هو صمام الأمان للثورة الجنوبية في كل المراحل، لكن ينبغي على المحيط الإنصات إلى أصوات الجنوبيين وعدم الاكتفاء بالتحاور مع الثلاثي القديم الجديد"، في إشارة لحزب الإصلاح، والمؤتمر الشعبي، والحوثيين.
ويلفت رئيس التحرير إلى أنّه لن تحل أي مشكلة طالما تم تأجيل حلّ القضية الجنوبية، فما قبل الحرب ليس كما بعدها، على حدّ قوله. ويطالب الأعجم الدول الخليجية بتدارك خطأ المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار التي تجاهلت الجنوب، بحسب رأيه، "فكانت النتائج كارثية"، محذراً من خطورة إبقاء القضية الجنوبية من دون حلّ.

المساهمون