"الفرص" الإسرائيلية في لقاء ترامب ــ نتنياهو بعيون الاحتلال

16 سبتمبر 2017
نتنياهو وترامب بمطار تل أبيب، في مايو الماضي(كوبي جيدون/Getty)
+ الخط -
إذا تم تجاوز خيبة أمل اليمين الديني الصهيوني، المعلنة، من عدم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رسمياً، موت حل الدولتين وإطلاق يدّ دولة الاحتلال في الضفة الغربية كسياسة معلنة، وليس سياسة يتم تنفيذها على أرض الواقع فقط، فإنه لا يمكن تجاوز التوقعات الإسرائيلية من إدارة ترامب، والتي قد تتباين بين ما يريده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وائتلاف اليمين، وبين مواقف الوسط واليسار.

ويتجدّد النقاش حول هذا الموضوع قبل أيام من اللقاء المقرر عقده الثلاثاء المقبل بين نتنياهو وترامب، قبل بدء أعمال المؤتمر السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.

ويتلخّص ما يريده نتنياهو وائتلافه اليميني، مبدئياً، بمواصلة إهمال الملف الفلسطيني، أو على الأقل تمييع مطلب الدولتين كحل وحيد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في المقابل، يرغب الوسط واليسار الإسرائيليان في أن يرعى ترامب حلّاً يقوم مبدئياً على "حل الدولتين، لكنه لا يُفضي في واقع الحال إلى دولتين فعلاً، بل إلى تعزيز شرعية دولة الاحتلال كدولة يهودية وترسيخ ما بنته على مدار الحروب والسنوات الأخيرة من مستوطنات، مقابل كيان فلسطيني يقترب من "الدولة"، ويبقى في الواقع أبعد ما يكون عنها وأقرب ما يكون إلى سلطة حكم ذاتي، مهما كانت متطوّرة أو واسعة الصلاحيات.

ولكن اللافت في سياق هذا اللقاء المرتقب بنيويورك، هو جنوح مركز "أبحاث الأمن القومي"، بقيادة الجنرال السابق عاموس يادلين، إلى وجوب اختزال اللقاء لبحث موضوع الملف الإيراني بشكل أساسي، علماً أن المركز يعتبر عادةً في دراساته أن حلّ الدولتين هو مصيري لضمان بقاء دولة يهودية، وعدم تحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، أو ذات أغلبية غير يهودية، وتمارس نظام الفصل العنصري. وقد أصدر المركز أخيراً ورقةَ تقدير موقف حاول يادلين أن يرصد فيها الفرص الإسرائيلية الكامنة في اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب.


ومن هذا المنطلق، تعتبر الورقة أن أهم ما ينبغي أن تقوم به إسرائيل، ممثلة بنتنياهو، في ظل "أزمة كوريا الشمالية" ومقاربتها مع الملف الإيراني، هو إطلاق حوار متواصل وحميم مع واشنطن بشأن إيران. ويلتقي هذا الاقتراح مع إعلان سابق لنتنياهو أنه سيطلب من إدارة ترامب السير باتجاه الانسحاب من الاتفاق الدولي مع إيران. ويرى يادلين أن هذا الحوار يجب أن ينطلق من تقدير وفهم متبادل للوضع الاستراتيجي لحليفة إيران في شرق آسيا، وبالتالي العمل على بلورة ردّ مشترك وآلية لضمان استمرار التنسيق حتى يستنفد الطرفان كامل الخيارات والقدرات الممكنة في مواجهة خصميهما والاستفادة من دروس الأزمة في شبه جزيرة كوريا لضمان واقع مغاير على الصعيد الإيراني.

وتقرّ الورقة التي شارك في صياغتها إلى جانب يادلين، الباحث أفنير غولوب، بالفوارق الجوهرية بين حالتي إيران وكوريا، لجهة أن الأخيرة تملك ترسانة نووية، تجعل من الخيار العسكري أمراً محفوفاً بالمخاطر، فيما لا تزال إيران بعيدة زمنياً عن امتلاك القنبلة النووية بفعل التزامها بالاتفاق النووي مع الدول الغربية. لكن الورقة ترى أن هذا الفرق بين الحالتين يجعل من الخيار العسكري أمراً وارداً في الحالة الإيرانية، كذلك تشير إلى الفرق الآخر بين الحالتين، لجهة تمتّع بيونغ يانغ بدعم وتأييد الصين لها مقابل افتقار إيران لسند دولي بهذا الحجم. ومع استعراض الورقة للأوضاع الاستراتيجية لكوريا الشمالية مقابل إيران، وفق موازين القوى الدولية والإقليمية، فضلاً عن مكامن القوة التقليدية، وعلى رأس نقاط القوة الكورية، مقابل نقاط الضعف الإيرانية، ثمة حقيقة تتمثّل في تمكّن كوريا من خلق ميزان رعب متبادل يهدد خصومها الإقليميين بأضرار جسيمة وهائلة لا تقارن بما يمكن لهذه الدول أن تسببه لكوريا الشمالية، ما يدفع خصومها والدول الحليفة لواشنطن، من اليابان وكوريا الجنوبية وبقية الدول الأخرى، إلى أن تكون في طليعة المعارضة لحل عسكري. وتلفت الورقة إلى أن هذه الدول تؤدي عملياً دوراً رادعاً أمام جنوح الولايات المتحدة نحو استخدام هذا الخيار. في المقابل، فإن حلفاء الولايات المتحدة، في الحالة الإيرانية، وتحديداً السعودية وإسرائيل، "تدفعانها باتجاه اتخاذ خطوات فورية، واعتماد سياسة متشددة ضد إيران بما في ذلك استخدام الخيار العسكري"، بحسب ما جاء في الورقة البحثية لمركز "أبحاث الأمن القومي".

وإذا كان غياب المعلومات الاستخبارية الدقيقة عما يحدث في كوريا الشمالية أو ما يملكه هذا البلد، يشكّل عاملاً سلبياً في الاتجاه نحو الخيار العسكري، فإن الوضع في الحالة الإيرانية مغاير كلياً، وفق الورقة، إذ يقول مؤلفاها إنهما يميلان "إلى الافتراض بأن التغطية الاستخباراتية المتوفرة هي جيدة للغاية وتتيح عملاً عسكرياً فعالاً في حال تقرر القيام به" ضد إيران.

وتستعرض الورقة البحثية أوجه الشبه والخلاف الأخرى، مثل حقيقة إمكانيات تنظيم تحرّك شعبي في إيران، خلافاً للمجتمع المنضبط في كوريا الشمالية، وإدراك إيران لحقيقة الفرق في الوضع الاستراتيجي، مثل كون كوريا تملك خياراً نووياً يشكّل تهديداً استراتيجياً مباشراً على الولايات المتحدة ومصالحها، بينما إيران لا تملك هذه القوة. وتعتبر الورقة أن الظروف الحالية بما في ذلك الجدل الداخلي في الولايات المتحدة نفسها بشأن استمرار الالتزام بالاتفاق النووي المبرم مع إيران، مقابل من يدعون إلى الانسحاب منه، تتيح لحكومة الاحتلال استغلال الوضع، لا سيما أنه سبق لنتنياهو أن وصف بالاتفاق بـ"السيئ"، داعياً إلى وجوب تعديله أو إلغائه.

مع ذلك، تنصح الورقة بأن تتبع حكومة الاحتلال خطاً حذراً، بحيث تمتنع عن طرح تصورات أو مواقف لا توفّر أجوبة واضحة وتفكيراً استراتيجياً بشأن دلالات وتداعيات البدائل في اليوم الذي يلي قراراً أميركياً بالانسحاب من الاتفاق. وفي هذا السياق، تذكّر الورقة بأن الانسحاب الأميركي من الاتفاق يقلّص مدى ونطاق الضغوط الدولية على إيران، مثل احتمالات فرض عقوبات اقتصادية، أو تحرك عسكري في حال عادت إيران لنشاطها الذري الكامل. وتنصح الورقة بضرورة مواصلة حملات إقناع الإدارة الأميركية بأن توضح لإيران، بأن واشنطن لا تقبل بالتأويلات الإيرانية للبنود "الرمادية" في الاتفاق، وبأنها تنوي العمل ضد المجالات الأخرى، والتي تخرج عن المجال النووي، والمقصود إسرائيلياً هنا، هو مسألة الترسانة الصاروخية الإيرانية، و"دعم الإرهاب وتمويله، وشحنات السلاح للمنظمات العاملة بإذن وتحت رعاية ووصاية إيران"، وفق الورقة البحثية.

وينبغي على نتنياهو أن يُدرك حجم الانشغال الأميركي بالأزمة الكورية وتبعاتها الاستراتيجية على مكانة ومصداقية الولايات المتحدة، وبالتالي أن يتخذ مواقف داعمة للولايات المتحدة وأن يعرض المساعدة الإسرائيلية في مجال الخبرات التي كسبتها وراكمتها إسرائيل في جمع المعلومات ومكافحة برامج تطوير القدرات الذرية ومجال الدفاعات الصاروخية، والامتناع عن وضع المصاعب أمام واشنطن، مع المحافظة على مصالحها الحيوية في مواجهة الخطر الإيراني، بحسب ما تُوصي ورقة مركز "أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي.