المرزوقي ورهانات العودة للحكم: تفاؤل وتعويل على الغضب الشعبي

25 أكتوبر 2017
تحدّث المرزوقي بثقة عن العودة إلى السلطة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بشكل مبكر عن موعد انتخابات 2019 الرئاسية في تونس، كشف الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، عن نيّته العودة إلى الحكم بشكل صريح وبكثير من التفاؤل. وقال، خلال اجتماع مع عدد من أنصاره في القيروان وسط تونس، يوم الأحد الماضي، إنه يعِدُ بـ"نصب تذكاري للشهداء، وهذا هو القسم الذي أؤديه أمامكم عندما سنعود إلى السلطة... وسنعود إليها نحن شعب المواطنين، نحن الثوريون''. واعتبر أن "المجموعة الحالية ستغادر الحكم بلا شك في 2019، لأنها أثبتت إفلاسها"، داعياً "إلى ضرورة التفكير الحقيقي في برنامج لإنقاذ البلاد".

هذه الثقة التي تحدّث بها المرزوقي عن عودته للحكم، تطرح أسئلة عديدة حول مبرراتها الموضوعية، وحول الملفات التي يراهن عليها لتحقيق ذلك. وبعدما فسّر المرزوقي بعضها في لقاءات وحوارات سابقة، فإن خطاب القيروان جاء ليكشف بشكل كبير استراتيجيته في العودة إلى المنافسة وطموحه للوصول إلى قصر قرطاج، ويبيّن في تصريحات مختلفة أوجه هذه الاستراتيجية.

يراهن المرزوقي أولاً على رحيل ما يسميها "المنظومة الحالية"، لأنّهم "يشغلون مكاناً غير جديرين به"، وبسبب الفشل الحالي في تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى "تخوّفه من تفاقم الأزمة الاقتصادية". ويعوّل المرزوقي على احتمال أن يكون الناخبون في طور البحث عن بديل لحكامهم، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية السائدة، ويطرح نفسه كبديل منطقي، معتمداً على الثنائية المتصارعة: المنظومة القديمة في وجه القوى الثورية. ويوجّه دعوة صريحة "إلى القوى الديمقراطية في تونس من أجل التحضير لمباشرة الحكم، إثر خروج الائتلاف الحاكم من السلطة عام 2019"، بحسب تعبيره.

غير أن المرزوقي لا يوضح من هي هذه "القوى الديمقراطية"، وإن كان يقصد الأحزاب المعارضة أو فئة اجتماعية في صفوف الناخبين من الذين خاب ظنهم في المسار إلى حد الآن. ولعله يدرك أن التعويل على بقية الأحزاب المعارضة لا يمكن أن يستقيم، لفشل هذه الأحزاب في كل الاختبارات في لمّ شتاتها، وآخرها الانتخابات الجزئية في ألمانيا، حيث فشلت كل الدعوات لتقديم مرشح توافقي عن المعارضة، وقدّمت كل الأحزاب مرشحيها بشكل منفصل.
لكن المرزوقي يعرف أيضاً أن أغلب هذه الأحزاب المعارضة تتعامل معه بكثير من الريبة، وأوضحت في الكثير من المناسبات أنها تتجنّب حزبه، حتى في بعض التظاهرات الشعبية المعارضة للحكومة، بالإضافة إلى رغبة زعماء هذه الأحزاب كلهم في دخول قصر قرطاج، واعتقاد كل واحد منهم أنه الأجدر بذلك.


وفي جانب آخر، يعود المرزوقي إلى تفكيك المنظومة الحالية سياسياً، ويهاجم ما يسميه "الكذبة الكبرى اليوم في تونس"، وهي الحديث عن وجود توافق، في إشارة واضحة إلى تحالف "النهضة" و"نداء تونس".
ويركز المرزوقي، منذ مدة، على انتقاد حليفه السابق حركة "النهضة"، قائلاً إنه "لا يوجد شك في أن النهضة انخرطت في الثورة المضادة، بعد تحالفها مع نداء تونس وانخراطها في حكومة تضم على الأقل 13 عضواً من التجمّع المُنحل". وأضاف خلال اجتماع القيروان رداً على سؤال حول إمكانية دخوله في تحالف جديد مع حركة "النهضة": "أي نهضة؟ عمّا تتحدث؟ ليست لدينا أي نقطة التقاء مع حركة النهضة التي تقدّم الدعم لحكومة فاسدة وصوّتت لقانون تبييض الفساد".

لا يبدو هذا الموقف ارتجالياً أو متسرعاً، إذ إن المرزوقي لا يهاجم "النهضة" التي صوّتت له بكثافة في الانتخابات الماضية، وإنما يراهن على تناقضاتها الحالية، ويستميل بعض قواعدها المعارضة للتحالف مع "النداء" وحتى بعض قياداتها، ويخاطب ما يسميه بـ"شعب النهضة" بشكل مباشر. ولكن السؤال: إلى أي حد يمكن الاعتماد بالفعل على هذا العامل، وهل هو محدد وكافٍ للنجاح، خصوصاً أن الجميع يعرف أن "النهضة" تبقى الحزب الأكثر تماسكاً وانضباطاً في تونس، وأن قيادتها نجحت، حتى الآن، في إقناع أغلب قواعدها وقياداتها بخياراتها الاستراتيجية، على الرغم من التناقضات الكبيرة التي تبدو عليها.

يبدو أن المرزوقي يحاول إصلاح ما يعتبره بعض داعميه أخطاء في التواصل والعلاقات مع المحيط العام في تونس، إذ كان يعتبر العديد من مكوّنات هذا المحيط أعداء له، ولكنه أصبح يحاول التمييز في ذلك، خصوصاً على مستوى علاقته مع الإعلام التونسي. وفي هذا السياق، أوضح أنه لا يقصد الجميع، وإنما من يسميهم المنخرطين في المال الفاسد وفي الدفاع عن لوبيات، مؤكداً في القيروان أيضاً "عدم وجود أي عداء بينه وبين الدساترة، وأن نقاط الخلاف هي مع برنامجهم الذي يكرس الدولة الاستبدادية والمركزية والبيروقراطية والجهويات"، حسب تعبيره.

أما خصوم المرزوقي فيتهمونه بتكرار الشعارات نفسها وبإثارة الفتن في المناطق التي يتوجّه اليها، بينما يرد بأن هذا هو دور المعارضة وأنه يسعى لكشف كذب المنظومة التي وصلت إلى الحكم. ولا ينسى المرزوقي في كل خطاباته تذكير جمهوره بأنه "ابن الشعب"، متضامناً مع عائلات الغرقى من المهاجرين ومع التحركات الاحتجاجية، ومتضامناً مع النساء الريفيات العاملات في ظروف صعبة ومع الطلبة المحتجين، مذكراً بأنه كان يفتح قصر الرئاسة لهذه الفئات، ما يعني أنه يتوجه بخطابه إلى المهمشين والغاضبين من الوضع الحالي، ويراهن تقريباً بالكامل على ناخبين غاضبين وراغبين في تغييرات جوهرية وخيارات سياسية أخرى لا تخضع إلى مرجعيات تقليدية في عملية الاختيار والانتخاب.

لكنه في المقابل لا يتحدث عن الناخب التونسي التقليدي، خصوصاً من الطبقات الوسطى والنخب السياسية التي منحت أصواتها لغيره في الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية وكيف يمكن أن يقنعها بتغيير موقفها.
ويبدو أن ما يغفل عنه المرزوقي في استراتيجيته الجديدة هو تقديم بدائل حقيقية للتونسيين، وعدم الاكتفاء بانتقاد خصومه، وعدم توضيح رؤى حزبه لإنعاش الاقتصاد وتفادي المديونية وحل مشكلة البطالة ودفع الاستثمار، وغيرها من الملفات التي ينتظر التونسيون إجابات عنها وبدائل لها، وهو ما يقود إلى الاستنتاج بأن برنامجه هو برنامج للرئاسة وليس للحكومة، وأنه برنامج شخصي وليس برنامج حزب يطمح للحكم.

وفي جانب آخر، يدعو المرزوقي إلى ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ويستعجل موعد 2019، ربما للاستفادة من زخم الغضب الشعبي على الأوضاع الحالية. ولكن هل هو جاهز بالفعل لانتخابات في الحال، وهل أن حزبه الذي شهد خلافات داخلية، نجح في تجاوزها وإخمادها، جاهز أيضاً لانتخابات تشريعية؟ ولماذا لا ينتظر الانتخابات البلدية لقياس جاهزيته لكل ذلك وسبر موقف التونسيين من كل ذلك؟