يبدو مصير مشاركة أكراد العراق، الذين حصلوا على منصب رئاسة الجمهورية منذ عام 2005 وإلى غاية الآن، ووزارة الخارجية لأكثر من ثماني سنوات، ومناصب قيادية مهمة أخرى في بغداد، غير محسوم حتى هذه اللحظة في الانتخابات المقبلة، مع استمرار إصرار النواب الكرد على مقاطعة جلسات البرلمان، والدعوات التي أطلقها سياسيون لإقالة الرئيس العراقي الكردي، فؤاد معصوم، في ظل أزمة متفاقمة بين الحكومة العراقية، برئاسة حيدر العبادي، ورئاسة إقليم كردستان المتمثلة بمسعود البارزاني، كل ذلك دفع مراقبين للتساؤل عن ورثة الأكراد في بغداد في حال استمرت مقاطعتهم.
فالنواب الأكراد، البالغ عددهم 62 عضوًا، ما زالوا مقاطعين لجلسات البرلمان العراقي في بغداد، احتجاجًا على الإجراءات الحكومية تجاه إقليم كردستان على خلفية الاستفتاء الذي أجري في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، كما أن سلطات الإقليم تتجنب الحديث عن الانتخابات البرلمانية الاتحادية المقبلة التي قررت مفوضية الانتخابات إجراءها في الثاني عشر من مايو/أيار المقبل.
وتسعى القوى السياسية الكردية إلى تعطيل عمل البرلمان العراقي في بغداد من خلال التغيب عن حضور الجلسات، ما يؤدي بالنتيجة إلى عدم تحقق النصاب القانوني في أغلب الجلسات.
وتؤكد عضو البرلمان العراقي عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، نجيبة نجيب، أن المقاطعة الكردية جاءت ردًّا على قرارات سابقة لمجلس النواب العراقي ضد إقليم كردستان، موضحة أن رئاسة البرلمان دفعت باتجاه اتخاذ القرارات بالأغلبية، وهنا وجد الأكراد أن حضورهم بلا منفعة؛ لأنهم لا يشتركون في صياغة القرارات أو التصويت عليها.
لكن المقاطعة الكردية، التي عطلت عمل البرلمان، لا تروق لأحزاب بغداد، التي لا بد لها من ورثة تتفاهم معهم على تركة القوى السياسية الكردية في حال استمرت مقاطعتها إلى ما بعد الانتخابات، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، ياسر البكري، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن الأكراد لديهم ما يقرب من خُمس مقاعد البرلمان، ولا يمكن لهذا العدد أن يبقى معطلًا بعد إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة.
وأشار إلى وجود أكثر من سيناريو لمرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، مبينًا أن السيناريو الأول قد يكون عودة الأكراد إلى برلمان وحكومة بغداد في حال تم التوصل إلى صيغة توافقية مع رئيس الوزراء، حيدر العبادي.
وأضاف: "أما في حال إصرار الأكراد على المقاطعة، فتوجد احتمالات أخرى، أبرزها حدوث انشقاقات داخل البيت الكردي، كأن يكون من قبل حركة التغيير الكردية الصديقة للحكومة العراقية، والتي يتواجد نوابها في بغداد طيلة فترة الأزمة، لكنهم لا يحضرون اجتماعات البرلمان"، موضحًا أن "حركة التغيير"، ومن يلتف حولها، قد تكون هي الوريثة للوجود الكردي في بغداد، بدلًا عن حزبي "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يترأس قادته العراق منذ عام 2005، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي يتزعمه مسعود البارزاني.
وتابع: "وفي حال قاطعت جميع الأحزاب الكردية الانتخابات العراقية، فإن الرابح الأكبر سيكون التحالف الوطني الحاكم، الذي سيستحوذ على أغلب مقاعد الأكراد التي ستوزع على القوائم بالتناسب بحسب قانون الانتخابات".
ولا تبدو هذه السيناريوهات غائبة عن أذهان السياسيين العراقيين، الذي يتحدثون عن أمور غير متوقعة في الانتخابات المقبلة.
ويؤكد عضو المكتب السياسي في "تيار الحكمة"، عباس العيساوي، أن الانتخابات المقبلة ستشكل مفاجأة، داعيًا القوى السياسية إلى تشكيل كتل صغيرة داخل قائمة كبيرة واحدة.
وأشار إلى أن التكتلات ستزيد من حالة الانسجام، وتقلل من اعتماد الصراعات من أجل الاستحواذ على الآخر، لافتًا إلى أن الحكومة المقبلة ستشهد تغييرات جديدة ستكون لها آثار إيجابية على مجمل المشهد العراقي.
وبخلاف دساتير بعض الدول التي تفرض تقسيم المناصب بحسب المكونات والقوميات، كالدستور اللبناني، فإن الدستور العراقي لا يتضمن أية فقرة تشير إلى حصص القوميات والطوائف، بل سار العرف، منذ إجراء أول انتخابات تشريعية عام 2005، على منح رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة، وتقسيم بقية المناصب على هذا الأساس. وبحسب مختصين، فإن مغادرة هذا التقسيم لن تكون صعبة ما دام الدستور لم يتطرق إليه في أية مادة من مواده.