السودان: العسكر يستنسخ أدوات نظام البشير

01 يونيو 2019
يواصل آلاف المتظاهرين اعتصامهم في الخرطوم (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
يعمل المجلس العسكري في السودان، على استنساخ سياسات الرئيس المخلوع عمر البشير، في كيفية التعاطي مع الثورة وقوى "إعلان الحرية والتغيير" المعارض، خصوصاً بعد الدعم الكبير الذي تلقاه من مصر والإمارات والسعودية، لرفض تسليم السلطة إلى المدنيين.

ولم تكد قدما رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، تطآن الأراضي السعودية، حتى أمر المجلس قناة "الجزيرة" بإغلاق مكتبها في العاصمة الخرطوم، وحظر عملها، على الرغم من الحيادية التي سعت القناة لاتباعها في تغطية الاحتجاجات في السودان. ولم يقتصر حراك العسكر على ذلك، ففي ما يبدو أنه استعداد لفضّ الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، أعلن المجلس العسكري أن "ميدان الاعتصام أصبح خطراً على البلد والثوار"، بالتوازي مع تصعيد عمليات قتل المتظاهرين بحجة وقوع اشتباكات بين "عناصر منفلتة" وقوات الأمن. كما أن المجلس العسكري يطبّق خطة "فرق تسد"، عبر الاجتماعات التي تعقدها قيادات فيه مع قيادات دينية غير مشاركة في قوى "إعلان الحرية والتغيير" المعارضة، لضرب صفوف المعارضة، وكلها وسائل تذكّر بالخطوات التي كان يعتمدها البشير خلال حكمه.

ويبدو أن الأوضاع في السودان تتجه إلى مزيد من التعقيد، مع حديث قوى "إعلان الحرية والتغيير"، عن أن التفاوض بينها وبين المجلس العسكري لا يزال متوقفاً، ما يقلل الآمال بإكمال الاتفاق على هياكل الحكم خلال الفترة الانتقالية المقترحة، بعد سقوط نظام عمر البشير. ويعتصم آلاف المتظاهرين، منذ السادس من إبريل/ نيسان الماضي أمام مقر الجيش، وهو الاعتصام الذي أطاح بالبشير في 11 إبريل. وفي إطار محاولاته لمنع وصول أصوات آلاف المحتجين وسط الخرطوم إلى العالم، وخصوصاً بعد أن لاقت دعوات قوى "إعلان الحرية والتغيير" للإضراب العام الثلاثاء والأربعاء الماضيين، استجابة واسعة في القطاعين العام والخاص، أمر المجلس العسكري، أمس الجمعة، قناة "الجزيرة" بإغلاق أبواب مكتبها في الخرطوم. ويبدو أن هذا الأمر يأتي تلبية لمطالب مصر والإمارات والسعودية، التي زارها البرهان وقبله نائبه في المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي. يشار إلى أنها المرة الثانية خلال العام الحالي، التي يُغلق فيها مكتب قناة "الجزيرة" في الخرطوم. وكانت قوات الأمن في عهد البشير سحبت تراخيص عمل مراسلي ومصوري القناة، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، فضلاً عن حظر عمل التلفزيون العربي في السودان.

وذكرت شبكة "الجزيرة" في بيان، أن قوات الأمن السودانية أمرت بإغلاق مكتب القناة في العاصمة الخرطوم، والتحفظ على أجهزته ومقتنياته، بعد حصرها وتسليمها للسلطات. ونقلت عن ضباط في الأمن السوداني قولهم إن القرار اتخذ من قبل المجلس العسكري، لكنهم لم يسلموا مدير مكتب "الجزيرة" أي قرار مكتوب. واستنكرت "الجزيرة" قرار إغلاق مكتبها "غير المبرر". وأكدت التزامها بسياساتها التحريرية في تغطية الشأن السوداني ونقل تطورات الأحداث فيه. كما انتقدت "شبكة الصحافيين السودانيين"، إغلاق مكتب "الجزيرة" في الخرطوم على يد "فريق مختلط من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن وإدارة الإعلام الخارجي". وقالت في بيان، إن إغلاق المكتب يعتبر "تراجعاً في مجال الحريات العامة والصحافية وانتكاسة جديدة لمكتسبات الثورة". كما انتقدت وقف بث أخبار ميدان الاعتصام وفعاليات قوى الحرية والتغيير على تلفزيون السودان، بإيعاز من المجلس العسكري، مستنكرة إيقاف إعلاميين ومنعهم من الإعداد والمباشرة في البرامج، بسبب مشاركتهم وتغطيتهم المهنية لإضراب يومي 28 و29 مايو/ أيار الماضي.

في موازاة ذلك، استنسخ المجلس العسكري ما كان يقوم به نظام البشير من عمليات قتل لتخويف معارضيه، إذ تزايدت عمليات قتل المتظاهرين، الذين يواصل الآلاف منهم الاعتصام وسط الخرطوم. واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن وعناصر "منفلتة"، الأربعاء الماضي في الخرطوم، في منطقة بعيدة عن الاعتصام ما أدى إلى مقتل سيدة. وقال الجيش، إن جندياً مخموراً فتح النار فقتل السيدة وأصاب اثنين آخرين بينهم جندي. ويوم الخميس قالت لجنة أطباء السودان، إن شاباً في العشرينيات من عمره قُتل بطلق ناري في نفس منطقة حادثة الأربعاء. وتخللت الاعتصام أكثر من مرة حوادث إطلاق نار، كان آخرها في 14 مايو/ أيار الماضي، وأوقع ستة قتلى بين المتظاهرين.

وحذر المجلس العسكري من أن الاعتصام في الخرطوم، الذي ساعد في الإطاحة بالبشير "بات تهديداً للثورة". واتهم قائد المنطقة العسكرية المركزية في الخرطوم، اللواء بحر أحمد بحر، عناصر "منفلتة" بمهاجمة مركبة تابعة لقوات الدعم السريع، والاستيلاء عليها قرب موقع الاعتصام. وقال في بيان بثه التلفزيون: "ميدان الاعتصام أضحى غير آمن ويشكل خطراً على الثورة والثوار، ومهدداً لتماسك الدولة وأمنها الوطني". كما اعتبر القائد في قوات الدعم السريع، الفريق عثمان حامد، في مؤتمر صحافي مساء الخميس، أن "الاعتصام بات نقطة لكل أنواع الأعمال الإجرامية، ومكاناً غير آمن، وهو الآن يمثّل تهديداً للأمن القومي للدولة". وأضاف أن "قوات الدعم السريع تنسق مع قوات الأمن المسؤولة عن حفظ أمن المواطنين، للقيام بالإجراءات القانونية لوقف هذه الانتهاكات وهذا السلوك". يشار إلى أن قوات الدعم السريع هي قوة شبه عسكرية يقودها دقلو. وكان المحتجون في الخرطوم هتفوا أخيراً: "قوات مسلحة بس والدعم يطلع برا"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

ويتهم دقلو، الذي يشتهر بلقب حميدتي، المحتجين بالحصول على دعم خارجي. وقال، في إطار انقلابه على الاتفاق مع قوة "إعلان الحرية والعدالة" المعارض بشأن المجلس السيادي والحكومة والبرلمان، إنه ليس من حقهم التحدث باسم جميع السودانيين. ويشبه هذا الأمر ما كان البشير يقوم به خلال "مؤتمر الحوار الوطني"، الذي استمر منذ يناير/ كانون الثاني 2014، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016. وفي إطار محاولاته للحصول على دعم يواجه به المعارضة، ذكرت وكالة الأنباء السودانية، أول من أمس الخميس، أن دقلو عقد اجتماعاً في القصر الجمهوري مع وفد مشايخ الطرق الصوفية، واسعة الانتشار في السودان. وذكرت أن "وفد المشايخ أبدى ثقته في حكمة المجلس العسكري لتجاوز الظرف التاريخي الذي يمرّ به السودان بوصفه الضامن للأمن والاستقرار بالبلاد". ودعا إلى "ضرورة توافق كافة مكونات البلاد السياسية والمجتمعية دون إقصاء على كيفية إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية".

وكان المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير" قد اتفقا أخيراً، على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تدير فيها البلاد سلطة مكونة من مجلس سيادة ومجلس وزراء تشكله "قوى الحرية والتغيير"، وبرلمان انتقالي تُمنح فيه هذه القوى 67 في المائة من عضويته، على أن تترك بقية النسبة للقوى غير المشاركة في النظام السابق. لكن كل طرف أصرّ على حصوله على الأغلبية داخل مجلس السيادة وعلى منصب رئيس المجلس، ما عمّق الخلافات بينهما، ودفع المجلس العسكري للتلويح على لسان نائب رئيسه دقلو، بالدعوة لانتخابات مبكرة أو اللجوء لخيار تشكيل حكومة مستقلة من الكفاءات، بعيداً عن "الحرية والتغيير". وفي السياق، حذر رئيس حزب "الأمة" السوداني الصادق المهدي من مغبة التصعيد بين المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، على الرغم من التقدم المحرز في المفاوضات بينهما. وسرد المهدي خلال إفطار في أم درمان، أول من أمس، مواقف حزبه منذ بدء الحراك الثوري في البلاد، وذلك رداً على انتقادات وجهت للحزب بعد رفضه المشاركة في إضراب عام الثلاثاء والأربعاء الماضيين. واعتبر أن "الإضراب كان خطأً وتصعيداً غير مبرر، وربما أتاح الفرصة لنشاط الثورة المضادة لتنفيذ أجندتها، التي قد تصل لتنفيذ انقلاب عسكري لإعادة النظام القديم". لكنه استدرك: "أحذّر المجلس العسكري من التموضع في موضع الرئيس المخلوع عمر البشير، والعودة إلى المربع الأول".

وكما كان البشير يفعل، فقد قدّم البرهان صك اعتماده كأحد أعمدة التحالف السعودي الإماراتي، إذ أعلن، في كلمة خلال القمة العربية الطارئة في مكة فجر أمس الجمعة، "أننا سنظل ندعم الشرعية في اليمن، وسيبقى السودان ضمن منظومة التحالف العربي لإعادة الشرعية وتحقيق الاستقرار في اليمن". وأوضح البرهان أن "السودان شهد حراكاً شعبياً في ثورة سلمية واسعة نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وانسداد الأفق السياسي، واصطفوا أمام قيادة الجيش السوداني بالخرطوم، ما جعلنا ننحاز للشعب وقمنا بالتغيير المطلوب". وأضاف: "وعدنا شعبنا بتسليم السلطة المدنية بعد فترة انتقالية محدودة تشهد في نهايتها انتخابات نزيهة وشفافة، تتاح من خلالها المشاركة لكل مكونات الشعب وقواه السياسية". وأشار إلى أن "المجلس العسكري بالسودان يقود حواراً بنّاءً لتشكيل حكومة انتقالية"، معرباً عن شكره وتقديره للدول العربية التي أيدت التغيير في السودان ودعمته.

المساهمون