استفتاء التعديلات الدستورية في مصر: تعتيم يكرّس مأزق النظام

23 ابريل 2019
الأجهزة الأمنية كانت متخوّفة من ارتفاع نسبة رفض التعديلات(Getty)
+ الخط -
عاش الرأي العام المصري ساعات الحيرة والغموض، بعد غلق أبواب لجان الاستفتاء على تعديل الدستور في التاسعة من مساء الإثنين، وسط ترقب إعلان النتيجة النهائية للاستفتاء مساء الثلاثاء، وذلك نتيجة التعتيم غير المسبوق الذي مارسته الهيئة الوطنية للانتخابات على النتائج الخاصة باللجان الفرعية والعامة، وعدم نشر أي بيانات من اللجان في وسائل الإعلام المصرية للمرة الأولى منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وهو ما رأى فيه مراقبون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ردة إلى أجواء انتخابات واستفتاءات ما قبل الثورة، عندما كان فرز الأصوات يتم بمعزل عن مراقبة وسائل الإعلام، ومتابعة منظمات المجتمع المدني، وينتهي بإعلان نتائج مغايرة للمؤشرات والواقع.
فعلى الرغم من أنّ الهيئة الوطنية للانتخابات أصدرت أكثر من ألف تصريح للإعلاميين لدخول اللجان وحضور إجراءات الاقتراع ثمّ الفرز وإعلان النتائج، إلا أنها، وعلى نحو مفاجئ، أصدرت تعليمات شفهية للقضاة قبيل غلق باب اللجان، بعدم السماح لأي صحافي أو متابع من منظمة مجتمع مدني بحضور إجراءات الفرز. وذلك على خلاف ما حدث في انتخابات الرئاسة السابقة وانتخابات مجلس النواب الأخيرة، واستفتاء دستور 2014، والتي كانت اللجان الفرعية فيها تعلن النتائج على الهواء مباشرة أحياناً، كما كانت اللجان العامة تجمع وسائل الإعلام لبث إعلان النتائج أولاً بأول.

وفي السياق، قال خمسة من قضاة مجلس الدولة والاستئناف المشرفين على لجان فرعية بالقاهرة والجيزة والشرقية لـ"العربي الجديد" إنّ غرف عمليات المحاكم التي تقع لجانهم في دوائرها اتصلت بهم هاتفياً وأمرتهم بعدم السماح بدخول أي صحافي، فضلاً عن سحب كاميرات التصوير والتسجيل من الموظفين العاديين، والسماح بالتصوير فقط للموظف التابع للمحكمة داخل اللجنة.
وأضاف القضاة أنّ بعض زملائهم في العاصمة لم تصلهم التعليمات مبكراً، فسمحوا لبعض الصحافيين المصريين والأجانب بحضور جزء من الفرز، ثمّ عادوا بعد دقائق وأمروهم بالمغادرة، بعدما تنبّهت المحاكم المشرفة عليهم لعدم تبليغهم. وأشاروا إلى أنّ بعض المشادات الكلامية نشبت بين رؤساء اللجان الفرعية وأعضاء غرف العمليات، بسبب تمسّك بعض رؤساء اللجان بالتطبيق الحرفي لنصّ قانون مباشرة الحقوق السياسية، الذي يلزم القضاة بإعلان النتيجة على مسمع ومرأى من وسائل الإعلام والمتابعين ووكلاء المرشحين، إن وجدوا، في حالة الانتخابات.


وذكر القضاة أيضاً أنه للمرة الأولى أوفدت اللجان العامة عدداً من موظفيها للمرور على اللجان الفرعية، وتجميع محاضر الفرز وعدم ترك هذه المهمة للقضاة أنفسهم، بحجة "الالتزام بخطة تأمين أوراق ومحاضر الاقتراع والفرز". لكن الحقيقة التي عرفها القضاة في ما بعد أنّ اللجان العامة كانت "محاصرة تماماً" بقوات الشرطة والجيش، وأن رؤساء هذه اللجان خشوا من حدوث احتكاكات بين القوات والقضاة أثناء عملية تسليم الأوراق.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر إعلامية في قناة "سي بي سي إكسترا" وصحيفة "الوطن" المملوكتين للاستخبارات العامة إنّ تعليمات من الأجهزة الأمنية تلقتها جميع وسائل الإعلام المحلية بعدم نشر أي مؤشرات للنتائج، وأنه تمّ حذف بعض الأخبار من مواقع إخبارية، وتم تعطيل بعض الاستعدادات الفنية التي كانت قد أعدت تحضيراً لاحتساب النتائج طوال الليل، وصولاً إلى إعلان النتيجة النهائية، كما كان يحدث في جميع الاستحقاقات منذ 2011.

وأشارت هذه المصادر إلى أنّ الأجهزة الأمنية كانت متخوفة من ظهور مؤشرات توضح ارتفاع نسبة رفض التعديلات الدستورية قبل أن تتمكّن من معالجتها بطرق مختلفة، فضلاً عن تخوفها من انخفاض نسبة التصويت في بعض الأماكن رغم الجهود الكبيرة التي بذلت للحشد السلمي والتجميع الإجباري للناخبين، خصوصاً الوافدين من محافظات أخرى.
وبعيداً عن التعتيم على النتائج، شهدت الساعات الأخيرة في يوم التصويت الأخير انتشاراً واضحاً لظاهرة تكرار التصويت الجماعي من دون غمس الإصبع في الحبر الفسفوري، بحسب مصادر قضائية بوزارة العدل، والتي كشفت عن تلقي غرف العمليات في اليوم الأخير أكثر من 70 شكوى من قضاة ضدّ زملاء لهم سمحوا بتحويل لجانهم إلى أماكن آمنة تابعة للأمن الوطني، ومخصصة لاستقبال الناخبين الوافدين من دون التأكد من عدم تصويتهم سلفاً.
وأوضحت مصادر الوزارة أن القضاة الشاكين أرسلوا إلى غرف العمليات صوراً فوتوغرافية توضح زحاماً غير مسبوق على لجان بعينها، في مناطق أكتوبر والشيخ زايد والدقي والزمالك وعين شمس والمطرية والمرج والمرج الجديدة، في آخر ساعتين من التصويت. لكن الوزارة لم تتخذ أي إجراء بشأن هذه المخالفات.


المساهمون