صراع ثلاثي شمال حلب... حصار مارع والعين على أعزاز

29 مايو 2016
لا تزال المعارضة صامدة رغم كل الهجمات(حسين ناصر/فرانس برس)
+ الخط -

اشتعل ريف حلب الشمالي مجدداً إثر مباغتة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أمس الأول الجمعة، لفصائل تابعة للمعارضة السورية، وتقدّمه على حسابها بعدما استولى على بلدة كلجبرين، وقريتَين بالقرب منها، محكماً بذلك طوق حصار على مدينة مارع التي تعد من أبرز معاقل المعارضة في هذا الريف. ويتوقع مراقبون أن يشهد الريف معارك طاحنة، في حال حاول التنظيم التقدم أكثر والاقتراب من مدينة أعزاز (شمال سورية) التي تتطلع الوحدات الكردية هي الأخرى للسيطرة عليها.

ويقول الناشط الإعلامي ماهر أبو شادي لـ"العربي الجديد" إن محيط مارع شهد، أمس السبت، اشتباكات وصفها بـ"الضارية" بين مقاتلي المعارضة السورية المتحصنين داخل المدينة وبين مقاتلي "داعش" الذين حاولوا اقتحامها. لكن الهجوم جوبه بمقاومة شديدة من قبل المعارضة، إذ قُتل وأُسر عدد من عناصر التنظيم، وتم تدمير 3 سيارات مفخخة له قبل وصولها للهدف.

ولا تبعد مارع سوى ثلاثين كيلومتراً عن مدينة حلب، وهي من أولى مدن ريف حلب التي أعلنت الثورة ضد النظام السوري في مارس/آذار 2011. وخرجت المدينة عن سيطرته أواخر العام ذاته، ليبدأ طيران النظام حملة قصف مركزة لم تهدأ طيلة سنوات عليها، ما أدى إلى نزوح معظم سكانها الذين يبلغ عددهم أكثر من 25 ألفا. وتحمل مارع رمزية ثورية كونها مسقط رأس القائد العسكري لـ"لواء التوحيد" (التابع للجيش السوري الحرّ)، عبد القادر الصالح الملقّب بـ"حجي مارع" والذي ساهم في السيطرة على معظم الريف الشمالي، وأحياء في مدينة حلب قبل أن يُقتل أواخر عام 2013، إثر غارة جوية على أحد مقرات اللواء.

وحاول تنظيم "داعش"، مراراً، السيطرة على مدينة مارع، إلّا أن فصائل المعارضة السورية دافعت عن المدينة التي تعد هدفاً للوحدات الكردية، والتي حاولت بداية فبراير/شباط الماضي التقدم باتجاهها، إثر سيطرتها على مدينة تل رفعت تحت غطاء ناري غير مسبوق من قبل الطيران الروسي.

ويتوقع مراقبون أن يشهد ريف حلب الشمالي مزيداً من التوتر العسكري الذي يتجسد بمعارك شرسة بين اللاعبين الرئيسيين، وأبرزهم "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الأساسي، وتتلقى دعماً من الروس والأميركيين، و"داعش" الذي يسعى إلى خلط الأوراق في شمال سورية، خصوصاً مع بدء معركة غايتها طرده من مدينة الرقة، وتقليص الجغرافيا التي يسيطر عليها في سورية. كما لا يقف النظام السوري بعيداً عن الصراع، إذ تتمركز قواته والمليشيات المساندة لها في بلدتَي نبل والزهراء، وسط ريف حلب الشمالي.

في هذا السياق، يرى الرئيس السابق للمجلس العسكري الثوري في حلب، العميد زاهر الساكت أنّ هناك "تآمراً كبيراً على الثورة في شمال حلب من كل الأطراف"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ المعارضة السورية تواجه أطرافاً عدة منفردة، ومن دون دعم عسكري جدي، في الوقت الذي تتلقى فيه الوحدات الكردية الدعم الروسي والأميركي. ويشير إلى أن صمود فصائل المعارضة في مارع "أسطوري"، لافتاً إلى أن هجوم التنظيم الحالي على ريف حلب الشمالي سبقه قصف روسي عنيف على بلداته، إذ ارتكب مجزرة في بلدة حريتان، أمس الأول الجمعة.



ويرى الساكت أن الصراع الدائر يدخل في سياق الضغط الروسي على تركيا، متوقعاً سيطرة الوحدات الكردية على مدينة أعزاز في حال عدم التدخل التركي للحيلولة دون ذلك، مشيراً إلى أن غاية هذه الوحدات وصْل منطقة عفرين بمنطقة أعزاز لتشكيل كانتون كردي متصل جغرافياً في شمال وشمال شرق سورية. ويستبعد الساكت صداماً مباشراً بين الوحدات الكردية و"داعش"، إلا في إطار ضيّق "هو أقرب للمناورات العسكرية"، مشيراً إلى أن قلة الدعم العسكري، وعدم الانضواء في غرفة عمليات واحدة، والقتال تحت رايات عدة كانت وراء عدم قدرة المعارضة على صد الهجوم الشرس على ريف حلب الشمالي من قبل التنظيم والوحدات الكردية.

واستغلّت "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية عمادها، والتي تسيطر على مساحات كبيرة في ريف حلب الشمالي، الهجوم المباغت الذي شنّه التنظيم، لتنفّذ هي الأخرى هجوماً على قرية الشيخ عيسى بالقرب من مدينة مارع. لكن قوات المعارضة أفشلت هجومها، إلا أن مصادر خاصة تقول لـ"العربي الجديد" إن الوحدات الكردية اشترطت على المعارضة السورية المسلحة تسليم القرية مقابل السماح للمدنيين في مارع بالخروج عبر عفرين إلى مدينة أعزاز الحدودية. وتشير المصادر ذاتها إلى أن فصائل المعارضة تحاول استعادة منطقة كفركلبين من التنظيم لفتح طريق من مدينة مارع التي باتت محاصرة من كل اتجاه إلى الحدود السورية ـ التركية، وكسر طوق الحصار المفروض عليها.

من جهته، يرى عضو المكتب السياسي في حركة "نور الدين زنكي" المعارضة الفاعلة في حلب وريفها، بسام حاج مصطفى أن التنظيم يسعى للقضاء على فصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي من وراء هجومه الذي تزامن مع هجوم من قبل الوحدات الكردية، مشيراً إلى أن مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، والواقعة شمال غرب مدينة حلب تعد هدفاً للتنظيم بعد مارع. ويرجح احتمال تصادم التنظيم مع الوحدات الكردية في تكرار لسيناريو مدينة عين العرب والذي انتهى بتدمير المدينة وتهجير معظم سكانها.

ويلفت حاج مصطفى إلى أن "كل الاحتمالات واردة" في ما يخص مدينة أعزاز، إذ من المتوقع أن يحدث سباق بين التنظيم والوحدات للسيطرة عليها، ما يعني تجاوز خطوط حمراء وضعتها تركيا حول المدينة الحدودية التي في حال خرجت عن سيطرة المعارضة تكون الأخيرة قد تلقت "ضربة في الصميم"، على حدّ تعبيره.

أمام هذه التطورات الميدانية، لم يستطع "الائتلاف السوري المعارض" إلا توجيه بيان جديد طالب من خلاله منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وحكومات الدول الصديقة للشعب السوري "بتأمين حماية عاجلة وفورية للمدنيين في جميع المناطق التي تتعرض لهجوم من قبل تنظيم داعش، والنظام السوري"، وفق البيان. كما طالب "الائتلاف" بـ"تسليح الجيش السوري الحر للوقوف في وجه داعش ونظام الأسد"، مشيراً إلى أن "الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله لا يمكن أن تحقق أهدافها في سورية إلا بدعم الجيش الحر الذي أثبت، قبل أي جهة أخرى، وفي مناسبات كثيرة، أنه الأكثر قدرة على حماية المدنيين ومواجهة الإرهاب وطرده".

ورأى الائتلاف أن حصار التنظيم لمدينة مارع أدخله في شراكة مع النظام الذي يستهدف المدنيين بالحصار، مضيفاً أنّ "مئات الآلاف من السوريين محاصرون ويعانون الجوع، وأوضاعاً مأساوية في عشرات المناطق والمدن السورية على يد نظام الأسد منذ خمس سنوات. فيما تلقي طائرات الاحتلال الروسي قنابلها العنقودية على المدنيين في تناغم مفضوح للأدوار بين النظام، وروسيا وداعش"، وفق نص البيان.

وكانت كل من مدن مارع، وتل رفعت، وأعزاز تشكل "مثلثاً ثورياً" في شمال مدينة حلب، ثاني أهم المدن السورية، قبل أن تسيطر الوحدات الكردية على مدينة تل رفعت في فبراير/شباط الماضي، في إطار محاولاتها تشكيل حدود إقليم كردي في شمال سورية، والذي لن يكتمل من دون وصل مدينتَي عفرين وأعزاز ببعضهما، الأمر الذي تحول تركيا دون حدوثه.