مصر: "تشريعات الإعلام" تحت مقصلة الاستخبارات العامة

05 ديسمبر 2016
مرت الصحافة المصرية بعدد من الأزمات أخيراً(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
كشف مصدر مطلع في مجلس النواب المصري عن أن تشريعات تنظيم شؤون الصحافة والإعلام روجعت، على مدار ثلاثة أسابيع ماضية، في وحدة قانونية تابعة لجهاز الاستخبارات العامة، وأُدخلت عليها تعديلات موسعة قبل إرسال مشروع وحيد مقتصر على تشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية، عن طريق مجلس الوزراء إلى البرلمان. وانتهى قسم التشريع في مجلس الدولة من مراجعة مشروع موحّد للصحافة والإعلام في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد إيداع 16 ملاحظة على مواده، إلا أن القانون الحكومي اختفى منذ ذلك الحين عن الأنظار، إذ انتظرت الحكومة انتهاء الاستخبارات من مراجعته.
وقال المصدر، في تصريح خاص، إن وحدة الاستخبارات تخضع بشكل مباشر لإشراف اللواء، عباس كامل، مدير مكتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهي التي أعدت قانون الجمعيات الأهلية الأخير، ومررته إلى "النواب" من خلال القيادي في ائتلاف "دعم مصر"، عبد الهادي القصبي، وأقره البرلمان بصفة نهائية الأسبوع الفائت. وأضاف المصدر، أن هناك مجموعة من نواب ائتلاف الأغلبية، يُشكلون حلقة الوصل بين الاستخبارات العامة والمجلس النيابي، ويُمرر من خلالهم مشاريع القوانين، في مقدمتهم الأمين العام للائتلاف طاهر أبو زيد، ورئيس لجنة الإعلام أسامة هيكل، ووكيل لجنة التضامن محمد أبو حامد.
ولا يُعدّ جهاز الاستخبارات بعيداً عن المشهد السياسي في مصر، إذ قام بدور محوري في تشكيل البرلمان، فقد دُشنت قائمة "في حب مصر"، الفائزة بكل مقاعد القوائم في الانتخابات الأخيرة، في مقر الاستخبارات العامة بحضور نجل السيسي، محمود، ومستشاره القانوني محمد أبو شقة، وفق شهادة القيادي السابق في القائمة، حازم عبد العظيم. وقبل أن ينعقد مجلس النواب المصري مطلع العام الحالي، استقطبت الاستخبارات مستقلين وحزبيين للانضمام إلى ائتلاف "دعم مصر"، الذي يُعدّ امتداداً للقائمة الاستخباراتية، والذي استحوذ على أغلبية مقاعد مجلس النواب، بواقع 325 عضواً من مجموع 595 نائباً، ونجح في تمرير كل القوانين التي قدّمتها الحكومة، على الرغم مما تحتويه من سلبيات، وفي مقدمتها الخدمة المدنية، وضريبة القيمة المُضافة.

مشروع بديل
أرسلت الحكومة مشروع قانون تشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية، منفرداً إلى البرلمان، من دون مشروع الإعلام الموحد، إذ أعلن أسامة هيكل، بشكل مفاجئ، أمس الأحد، عن عقد جلستي استماع عاجلتين لرؤساء تحرير عدد من الصحف القومية والخاصة، وبعض الإعلاميين المحسوبين على السلطة العسكرية الحاكمة.
وانتابت نواب لجنة الإعلام حالة من الاستياء، نتيجة عدم اطلاعهم على القانون المُرسل من الحكومة، وتعمُّد هيكل عدم توزيع نسخ من القانون على أعضاء اللجنة قبل بدء جلسات الاستماع، حتى يتسنى لكل منهم مراجعته، وإعداد ملاحظات حول مواده، إذ عمدت الحكومة إلى إرسال القانون في ساعة متأخرة من مساء السبت.
واعتذر نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، والأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، صلاح عيسى، عن عدم حضور جلسة الاستماع، على خلفية إسقاط الحكومة لمشروع اللجنة الوطنية، ووضع قانون بديل، وهو ما عقّب عليه هيكل قائلاً: "لا توجد مشكلة في عدم حضورهما، لن نترجى أحداً للحضور، نحن نستمع للآراء حول القانون، قبل التصويت على مواده". وأضاف هيكل، قبل أولى جلسات الاستماع، أن قانون تشكيل الهيئات أولاً يهدف إلى انضباط المنظومة الإعلامية، والموازنة بين حرية الرأي والتعبير ومقتضيات الأمن القومي.
فيما قال عضو تكتل "25-30" البرلماني، الصحافي أحمد الطنطاوي في تصريح خاص، إن الحكومة التفّت على مشروع اللجنة الوطنية، وقدّمت مشروعاً خاصاً بتشكيل الهيئات فقط، على أن تقوم هذه الهيئات بعد تشكيلها بإعداد مشروع الإعلام الموحد، بهدف إخراج القانون برؤية الحكومة، التي سيكون لها اليد الطولى في تشكيل الهيئات، وفق المشروع المقدّم.

لجنة شكلية
قبل عامين، تشكّلت "اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام"، وضمّت ممثلين عن نقابة الصحافيين، والمجلس الأعلى للصحافة، والإعلاميين العاملين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، والنقابة العامة للعاملين في الطباعة والنشر، وعدداً من أساتذة القانون والإعلام، وعقدت نحو مائة جلسة انتهت خلالها من مشروعي قانونين، وسلمتهما إلى الحكومة.
القانون الأول عُرف إعلامياً بـ"المشروع الموحّد" لتنظيم شؤون الصحافة والإعلام، وشمل الأطر التنظيمية للعمل داخل المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة أو الخاصة أو الحزبية، وآلية تشكيل وتنظيم عمل الهيئات الإعلامية والصحافية الثلاث، التي نص عليها الدستور، فيما نص الآخر على إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر. ونص الدستور المصري في مادته رقم 211 على تأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المسؤول عن تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي، والصحافة المطبوعة، والرقمية، وفي المادة 212 على تأسيس الهيئة الوطنية للصحافة، لإدارة وتطوير المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، وتأسيس الهيئة الوطنية للإعلام لإدارة وتطوير المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة، وفق المادة 213.
وعمدت الحكومة إلى تجاهل القانون الخاص بإلغاء العقوبات السالبة للحريات في جرائم الصحافة، الذي وضعته "اللجنة الوطنية" استناداً إلى المادة رقم 71 من الدستور، بحسب عضو المجلس الأعلى للصحافة، صلاح عيسى. وكشف عيسى عن أن هناك أجنحة داخل الحكومة والبرلمان والجماعة الصحافية ترى أن "قانون اللجنة الوطنية أكثر ديمقراطية مما ينبغي، ويجب إدخال تعديلات موسعة على نصوصه، التي لا تناسب خوض الدولة حرباً ضد جماعات الإسلام السياسي، وضرورة استخدام الإعلام كأداة في هذه الحرب".
وعدّلت الحكومة مشروع القانون الموحّد قبل عرضه على مجلس الدولة، فأصدر كل من المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحافيين بيانين في يوليو/تموز الماضي، طالبا العودة إلى نصوص القانون، الذي وضعته اللجنة بالتوافق مع الحكومة، خصوصاً بعد تعرض عدد كبير من المواد للحذف والتعديل، في إطار تقييد الحريات.

الحبس الاحتياطي
أدخلت الحكومة تعديلات على مواد تشكيل المجالس الإعلامية والصحافية، فوسعت من نفوذ السلطة التنفيذية في عملية اختيار أعضائها على حساب النقابات المستقلة، وسمحت بالحبس الاحتياطي للصحافيين، وحذفت نصاً يمنع تفتيش مقار عمل الصحافيين أو منازلهم، إلا في وجود عضو من النيابة العامة.

وقال نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، إن هناك غموضاً حول قانون الصحافة والإعلام الموحّد، ولا يعلم أحد مكانه في ظل إلقاء كل من الحكومة ومجلس النواب الكرة في ملعب الآخر، وعدم إعلان موقفهما بشفافية من القانون، داعياً إلى علنية جلسات مناقشة مواده وإطلاع الصحافيين على التعديلات التي أدخلتها الحكومة بعد انتهاء مجلس الدولة من مراجعته.
وعقدت لجنة التشريعات، في نقابة الصحافيين، اجتماعاً مع بعض أعضاء مجلس النواب من الصحافيين، الأربعاء الماضي في مقر النقابة، لإطلاع النواب على القانون المُعد من اللجنة الوطنية، والتحذير من التعديلات التي أدخلتها الحكومة (الاستخبارات) على القانون، من دون علم الجماعة الصحافية أو الإعلامية. وطالب رئيس لجنة التشريعات في النقابة، كارم محمود، الجماعة الصحافية بالتصدي لمحاولات الالتفاف على القانون من أطراف عدة (دون الإشارة إليها)، والإغفال المتعمد للمواد المتعلقة بإلغاء الحبس في قضايا النشر، مما يعد مخالفة صريحة لنصوص الدستور.
وقال عضو بارز في اللجنة العامة للبرلمان لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الدولة قسم القانون إلى مشروعين، أولهما خاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام (تشكيل الهيئات)، والثاني متعلق بتنظيم شؤون الصحافة والإعلام، التزاماً بالمواد الدستورية المنظمة، ولضمان عدم الطعن بعدم دستوريته لاحقاً. وأضاف عضو اللجنة أن الصحافي، مصطفى بكري، (محسوب على الدائرة الاستخباراتية) يقود جبهة داخل لجنة الإعلام لفصل قوانين الهيئات الثلاث عن مشروع الإعلام الموحد، بعد تعثر محاولاته السابقة لإدخال تعديل على المادة 68 بقانون تنظيم الصحافة، لمنح رئيس الجمهورية سلطة الإطاحة بالتشكيل الحالي للمجلس الأعلى للصحافة. ويستند بكري في اتصالاته بأعضاء اللجنة إلى أن الدستور نص على أخذ رأي الهيئات الثلاث في قوانين الإعلام، واللوائح المتعلقة بمجال أعمالها، مما يستدعي ضرورة تشكيلها أولاً، ومنح صلاحيات اختيار أعضائها إلى السيسي، حتى لا تأخذ وقتا مطولاً في مناقشاتها، وتُعطل إصدار المشروع الموحد، بحسب المصدر.


من جهته، أقر وكيل لجنة الإعلام في البرلمان، جلال عوارة، بوجود اتجاه غالب داخل اللجنة بشأن إعداد قوانين الهيئات قبل الشروع في مناقشة قانون تنظيم الصحافة والإعلام، والذي لم يُرسل بعد من الحكومة إلى البرلمان، ولو ودياً، على الرغم من أن عامل الوقت له أهميته في سرعة مناقشة القانون، وتنظيم عدد من جلسات الحوار المجتمعي مع المختصين قبل طرحه للتصويت النهائي. وأضاف عوارة في تصريح خاص، أن القانون سيعالج كافة الأزمات المزمنة للإعلام المصري، وتصحيح المسار الفوضوي الذي سلكه الإعلام عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، مؤكداً أن تأخر إصدار التشريعات الإعلامية له تداعيات خطرة على الأمن القومي، في ظل تعرض البلاد لهجمة شرسة في وسائل الإعلام الغربي. فيما أعلن وكيل البرلمان، السيد الشريف، أن "المجلس عازم على إصدار تشريعات الإعلام في دور الانعقاد الحالي، لمواجهة الفوضى الإعلامية، وعلاج الخلل في المنظومة، بحيث يُراعي مقتضيات الأمن القومي للبلاد"، وهو المصطلح الذي كرره رئيس البرلمان، علي عبد العال، وعدد كبير من النواب خلال جلسة تمرير قانون الجمعيات الأهلية.

أزمات متعاقبة
مرت الصحافة المصرية بعدد من الأزمات المتتالية أخيراً، بدأت باقتحام الأمن مقر النقابة في مايو/أيار الماضي، وإصدار حكم بحبس نقيب الصحافيين ووكيله، خالد البلشي، وسكرتير عام النقابة، جمال عبد الرحيم، لمدة عامين، بدعوى إيوائهم مطلوبين للعدالة، فضلاً عن تسريح صحف لأعداد كبيرة من الصحافيين، واعتقال وحبس العشرات منهم.
وجاءت أزمة زيادة أسعار الطباعة الورقية للصحف، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، لتُلقي مزيداً من الأعباء على المؤسسات الصحافية، وتُنذر بتحول بعض الإصدارات اليومية إلى أسبوعية، وتخفيض أعداد الصحافيين مجدداً. وطالبت مطابع "الأهرام" الحكومية الصحف بتحمل نسبة 80 في المائة زيادة على قيمة التعاقد، بدءاً من 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

كذلك تسعى أجهزة النظام العسكري الحاكم إلى مصادرة الحريات من خلال قانون تنظيم الصحافة والإعلام، بغض الطرف عن اتفاق نصوصه مع الدستور من عدمه، إذ ألزم القانون الصحف باستصدار تصريح من هيئة الصحافة لإصدارها، على الرغم من أن الدستور نص صراحة على إصدارها بالإخطار. وعدّلت الحكومة شرط إصدار الصحيفة اليومية من خلال إيداع مبلغ ثلاثة ملايين جنيه، بدلاً من مليون جنيه، ومليون ونصف المليون للإصدار الأسبوعي، بعد أن كان 250 ألف جنيه، ويُودع نصف هذه المبالغ في أحد البنوك العامة في مصر، قبل إصدار الصحيفة.
وأجاز القانون للمجلس الأعلى للصحافة منع مطبوعات أو صحف أو مواد إعلامية صدرت أو جرى بثها من الخارج من الدخول إلى مصر "لاعتبارات الأمن القومي"، أو التي من شأنها "تكدير السلم العام، أو الحض على الكراهية والتمييز"، وهي مصطلحات مطاطة، وضعت لتقييد حرية الصحافة.
كما اشترط حظر تناول ما تتولاه سلطات التحقيق على نحو يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق، وجواز حبس الصحافي احتياطياً في الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف، أو التمييز بين المواطنين، أو الطعن في أعراض الأفراد. وتضمنت شروط الوسيلة الإعلامية: "ألا يقل رأس مال الشركة المرخص عن 25 مليون جنيه للقناة التلفزيونية الإخبارية أو العامة، و15 مليوناً للقناة المتخصصة، و7 ملايين جنيه للمحطة الإذاعية، ونصف مليون جنيه للمحطة التلفزيونية أو الرقمية على الموقع الإلكتروني".
ووضع القانون غرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، ولا تزيد عن مليون جنيه لكل مَن خالف شروط ملكية أكثر من صحيفة يومية، ومعاقبة كل من تعمد تعطيل أو تشويش موجات البث الإذاعي بالحبس، أو غرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على 3 ملايين، وبذات الغرامة لكل مَن قام بالبث من دون ترخيص.