معركة حضرموت المؤجلة تقترب

09 يوليو 2015
تتوالى المؤشرات على اقتراب لحظة تَمدد الصراع إلى حضرموت(Getty)
+ الخط -
عادت محافظة حضرموت شرق اليمن، والتي تمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد، إلى الواجهة من جديد، ولا سيما بعد الضربات التي شنّها التحالف العشري، مساء أول من أمس، على معسكر اللواء 23 ميكا في منطقة "العبر" قرب الحدود مع السعودية. ويخضع اللواء، الذي كان يفترض أنه موالٍ للشرعية، لقيادة الأركان، بقيادة اللواء علي محمد المقدشي، وكان أحد الألوية التي يتم تدريب الشباب فيه للانخراط في صفوف "المقاومة" والسعي إلى تحرير تعز وعدن في ظل تضارب حول الأسباب التي دفعت التحالف إلى قصفه.

وتتوالى المؤشرات على اقتراب لحظة امتداد الصراع إلى المحافظة بعد أن كان التحالف العشري وقوى الشرعية من جهة، ومليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة ثانية، قد غضوا الطرف عنها طوال أكثر من مائة يوم من عمر الحرب، قبل أن تظهر تحركاتهم فيها خلال الأيام القليلة الماضية. وهو ما أبرز تساؤلات عمّا إذا كان موعد المعركة المؤجلة في حضرموت قد حان.

اقرأ أيضاً: حضرموت تتحصّن ضدّ المدّ الحوثي

منذ بداية اجتياحهم المدن، اعتمد الحوثيون والرئيس المخلوع استراتيجية التوسع، طولاً وعرضاً، في البلاد واقتحام المدن والسيطرة عليها، فيما لم تكن حضرموت بأهميتها غائبة عن خططهم.
لكن منذ بدء إسقاط محافظة عمران واتجاههم نحو محافظة الجوف، كانوا يعرفون أن الوصول إلى حضرموت سيكون صعباً وطويلاً وشاقاً في حال ذهبوا باستراتيجيتهم في إسقاط المحافظات بالعمل العسكري للوصول إلى حضرموت. لكنهم مع دخولهم صنعاء، وفقاً لما ترويه مصادر عسكرية، اهتموا بموضوع الثروة والنفط على وجه التحديد. ضمن هذا السياق، سارعوا إلى تحصين حضرموت الوادي والصحراء، منطقة الثروة النفطية، والواقعة تحت المنطقة العسكرية الأولى، الموالية لهم أصلاً. حصنت المنطقة بالآلاف من المسلحين الحوثيين، إضافة إلى أنّ القوات المتواجدة فيها، هي قوات موالية للرئيس المخلوع صالح. وهي من البيئة نفسها التي تنتمي إليها المليشيات الحوثية، الممتدة من ذمار الى صعدة. لذلك كانت طائرات الشحن العسكري لا تتوقف عن إرسال المسلحين والعتاد العسكري إلى مطار سيئون شرق حضرموت.
وتعد سيئون مقراً لقيادة المنطقة العسكرية الأولى، وقائد المنطقة اللواء عبدالرحمن الحليلي، المعروف بولائه الشديد للرئيس المخلوع والحوثيين، وسهّل ما كان ينوي له الحوثيون من مخطط إسقاط حضرموت في يد المليشيات، ولا سيما أن مسلحي الأخيرة وسلاحهم امتلأت بهم معسكرات وألوية المنطقة الأولى في انتظار ساعة الصفر. ويرجح بعضهم أن حضرموت كانت أول هدف للحوثيين وصالح لإسقاطها جنوباً. لكن مع انطلاق عاصفة الحزم للتحالف العشري، في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، تغيرت المعادلة بعد حالة الإرباك التي سيطرت على الحوثيين والمخلوع، ولا سيما لعدم توقعهم هذا الأمر.
ولأن التحالف العربي ركّز عقب إعلان أغلب الجيش ولاءه للمخلوع والتسليم للحوثيين على استهداف مخازن ومعسكرات وألوية وقواعد ومطارات عسكرية، بهدف تدمير المخزون العسكري الثقيل والمتوسط لما بات يطلق عليهم قوى الانقلاب، لجأت بعض المعسكرات والألوية إلى الإعلان عن تأييد الشرعية لمحاولة تجنب التعرض للغارات.
وكان ممن أعلن الولاء للشرعية، قائد المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، اللواء الحليلي. وهو ما أثار استغراب الجميع، ولا سيما في صفوف الرافضين للانقلاب، إذ إنه، قبل أيام من انطلاق "عاصفة الحزم"، قام محافظ حضرموت عادل باحميد، بزيارة عاجلة إلى عدن التقى فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأبلغه سرعةَ إنقاذ حضرموت لأن الحليلي يسعى لإسقاط المحافظة في يد الحوثيين.
وعلى الرغم من إعلان المنطقة العسكرية الأولى الولاء الشرعية كان قائدها تارة يدلي بتصريحات يعلن فيها الولاء للشرعية، وتارة يتحدث عن تحركات "القاعدة"، فضلاً عن التزام الحياد في أغلب المعارك. وكانت توجه له اتهامات ولا تزال بدعم المليشيات في شبوة ومأرب بالسلاح والجنود، فضلاً عن استقبال قيادات حوثية.

اقرأ أيضاً: خريطة قوى حضرموت اليمنية

مراقبون وشخصيات سياسية، أيضاً، يتحدثون عن مكر الحليلي، ويصفون إعلانه الولاء للشرعية "تكتيكاً"، الهدف منه هو تجنيب أكبر مخزون بشري وعتاد من استهداف التحالف لمعركة فاصلة مؤجلة، يعد لها الحوثيون والرئيس المخلوع، ضد التحالف وضد "المقاومة". لذلك يقول بعضهم، إن التحالف ومسؤولي الحكومة الشرعية يدركون، أيضاً، أن المنطقة العسكرية الأولى هي موالية للحوثيين وصالح، لكنّ الطرفين كانا يتجنبان اندلاع الصراع فيها لأسباب عديدة. فالرئاسة والحكومة لم يحسما أمر العودة إلى سيئون وجعلها عاصمة مؤقته لإدارة البلد. وعلى الرغم من الدعوات لذلك وحتى حديث شخصيات عن قرب العودة بشكل دائم، لكن في كل مرة يتم التراجع عن ذلك. وهو ما يفسره المراقبون بتخوف من العودة لعدم ثقة قيادة الدولة الشرعية في ولاء الجيش، ولا سيما أن الحوثيين والمخلوع لم يتحركوا، أيضاً، لإسقاط حضرموت، الأهم بالنسبة لهم لتأمين موارد الثروة، على الرغم قدرتهم على ذلك من خلال المنطقتين العسكريتين في حضرموت، فضلاً عن أن تنظيم "القاعدة"، الذي كانت مناطق الوادي والصحراء بحضرموت معقلاً له، لم يحرك ساكناً فيها، وهو المحسوب على الرئيس المخلوع. واكتفى التنظيم بالتوجه إلى مدينة المكلا عاصمة حضرموت، حيث توجد المنطقة العسكرية الثانية، وحصل بينه وبينها عمليات تسليم وتسلّم للسلطة والمعسكرات وقيادة المنطقة الثانية، فضلاً عن المطار والبنوك والقصر الرئاسي. كما اكتفى التنظيم بالتمركز في مناطق حضرموت الساحل، بقوة وعتاد عسكري كبيرين، فيما توقفت عملياته في حضرموت الوادي والصحراء، الواقعة تحت المنطقة العسكرية الأولى، والتي كانت طوال ما قبل العاصفة تشهد مواجهات عنيفة وعمليات عسكرية بين الطرفين، فضلاً عن تنفيذ عمليات انتحارية.
ومن المفارقات، أيضاً، أن اللواء الحليلي لم يساعد في تطهير حضرموت من "القاعدة" أو يواجه التنظيم. كما أنه لم يدعم بالسلاح والجنود "المقاومة"، وبعض كتائب الجيش الموالي للشرعية في مواجهة مليشيات الحوثيين والمخلوع.

وتدرك جميع الأطراف أن فتح جبهة حضرموت ستكون مكلفة، نظراً إلى كبر مساحتها، والتي تقدر 193 ألف كيلومتر مربع، فضلاً عن أنها محافظة الثروة. كما أنها تحد السعودية وقريبة من سلطنة عمان، ونقل الصراع إليها سيفضي إلى تعدد أقطاب الصراع، من "القاعدة" و"المقاومة" والقبائل والتحالف وقوى الشرعية، والحوثيين، وقوات المخلوع، فضلاً عن الحراك الجنوبي، والتيارات الدينية الأخرى. لكن يعد الصراع بين التحالف والشرعية من جهة، والحوثيين والمخلوع من جهة أخرى هو الأبرز، ولاسيما أن السعودية لها شعبية كبيرة في المحافظة، فيما يملك الطرف الآخر قوات وألوية كبيرة، وقد يستغل الأخير القاعدة في صفه.
كما أن حضرموت كانت المنفذ الوحيد المتبقي مفتوحاً بين المملكة العربية السعودية واليمن. وخلال الفترة الماضية حدثت مواجهات مسلحة، في منفذ الوديعة الحدودي بعد تمرد قوة موالية للحوثيين والمخلوع كانت تسيطر على المنفذ من الجانب اليمني، وتمكنت قوة موالية للشرعية، من إخماد التمرد والسيطرة على المنفذ بتعاون يمني سعودي، وفق قيادة الجيش الموالي للشرعية قبل أن يجدد قصف التحالف لمعسكر اللواء 23 ميكا في منطقة "العبر" والمتغيرات الميدانية على الأرض المخاوف من أن يكون موعد معركة حضرموت قد اقترب.

اقرأ أيضاً: في ذكرى7 يوليو... اليمن بين حربين

المساهمون