هل يطيح التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال بالمصالحة؟

29 أكتوبر 2017
"كتائب القسام" هدف دائم للاحتلال (مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -
ينطوي تأكيد إسرائيل استئناف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بشكل كامل، على تداعيات كبيرة على البيئة الفلسطينية الداخلية، لا سيما بعد إعلان اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس". ويحمل هذا التطور، الذي كشفت عنه قيادات عسكرية إسرائيلية ونقلته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أمس الأول الجمعة، في ثناياه إمكانية تهديد اتفاق المصالحة برمته، على اعتبار أنه سيضفي صدقية على مخاوف قيادات حمساوية في الضفة الغربية وقطاع غزة من أن يفضي الاتفاق إلى تسهيل محاصرة الحركة وتحسين قدرة إسرائيل على ضرب قوتها العسكرية. وذكرت بعض قيادات "حماس" في الضفة الغربية أن اتفاق المصالحة لم ينعكس "إيجاباً" على أعضاء الحركة هناك، على اعتبار أنه لم يحل دون تواصل حملات الاعتقال التي تشنّها السلطة الفلسطينية بالتعاون مع إسرائيل ضد هؤلاء الأعضاء، ضمن الأنشطة المشتركة الهادفة لتجفيف بيئة العمل المقاوم في الضفة. وبرزت بشكل خاص انتقادات القيادي في الحركة حسن يوسف، الذي أبدى امتعاضه من تواصل الاعتقالات التي تنفذها السلطة، على الرغم من بدء تطبيق اتفاق المصالحة.

لكن مما لا شك فيه أن أخطر تداعيات استئناف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي ستنعكس على قطاع غزة، إذ إن تزامن استئناف هذا التنسيق مع اتفاق "فتح" و"حماس" على نقل الصلاحيات الأمنية والسياسية في القطاع للسلطة الفلسطينية، يحمل في طياته إمكانية أن يكون المس بالقدرات العسكرية لحركة "حماس" هدفاً للتنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة. وبحسب ما أكده الكثير من القيادات العسكرية الإسرائيلية، فإن السلطة الفلسطينية تقوم، ضمن التنسيق الأمني، بنقل معلومات استخبارية حول المقاومة والمقاومين في الضفة الغربية للجيش والاستخبارات الإسرائيلية، وهي المعلومات التي يتم توظيفها في اعتقال المقاومين وضرب حركات المقاومة. من هنا، فإن تولي السلطة الفلسطينية مقاليد الأمور في قطاع غزة، يعني أن الأجهزة الأمنية التابعة لها يمكن أن تقوم بنقل ما لديها من معلومات استخبارية حول الإمكانيات العسكرية لحركة "حماس" في القطاع لإسرائيل، وذلك ضمن التزامها بتواصل التنسيق الأمني مع الاحتلال.


ولدى "حماس" في قطاع غزة الكثير مما يمكن أن تخسره بفعل التنسيق الأمني بين إسرائيل وأجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية. فبسبب تواجد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة داخل القطاع، فإن قدرتها على الحصول على معلومات عن بنية "كتائب عز الدين القسام"، الجهاز العسكري لحركة "حماس"، ومخازن السلاح ومعسكرات التدريب وشبكات الأنفاق الهجومية والدفاعية، وغيرها من مقدرات عسكرية، ستفوق قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على ذلك. وبإمكان إسرائيل توظيف المعلومات الاستخبارية التي تحصل عليها من السلطة الفلسطينية في صياغة بنك أهداف يتم ضربه عندما تندلع مواجهة في القطاع. وفي حال اتخذت حركة "حماس" إجراءات لتقليص قدرة أمن السلطة على الحصول على المعلومات الاستخبارية عن منشآتها، فإنها ستُتهم حينها بالإخلال باتفاق المصالحة لأنها لم تساعد على "تمكين" السلطة من حكم القطاع.

وبسبب تداعيات هذا التطور المحتملة، فإن استئناف التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سيقلص من هامش المناورة بشكل كبير أمام قائد حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، الذي كان القوة الضاغطة وراء التوصل إلى اتفاق المصالحة مع "فتح". وفي حال سهّل التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة من قدرة تل أبيب على المس بمقدرات المقاومة في غزة، فإن هذا سيفضي إلى المس بمكانة السنوار داخل "حماس"، لا سيما أن قيادات حمساوية تتهم السلطة بأنها معنية بتطبيق اتفاق المصالحة بشكل انتقائي، بحيث إنها معنية فقط ببنود المصالحة التي تضمن "التمكين" من الحكم، وتحاول التمّلص من حل مشكلة الموظفين وتماطل في رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها رئيس السلطة محمود عباس والتي أفضت إلى تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية في القطاع بشكل كبير.

وشرعت بعض قيادات حركة "حماس" في الضفة والقطاع في توجيه انتقادات مبطنة لاتفاق المصالحة لأنه لم يوقف عمليات الاعتقال التي تنفذها أجهزة السلطة الأمنية بالتعاون مع الجيش وجهاز الاستخبارات الإسرائيليين. ولعل التصريحات التي صدرت عن السنوار أخيراً تدل على تنامي التململ من عوائد المصالحة وتعبّر عن المخاوف من أنماط تعاطي السلطة معها. فقد اضطر السنوار للتذكير بأن اتفاق المصالحة يحظى بدعم محمد الضيف، القائد العام لـ"كتائب عز الدين القسام"؛ علاوة على تشديده على أن قرار المصالحة "كان قرار حركة حماس كلها وليس قراراً فردياً".