مجزرة الكيماوي في سورية: المجرم المعروف بلا محاسبة

21 اغسطس 2016
أُصيب في المجزرة 6 آلاف شخص (عبد دوماني/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت ثلاث سنوات على "مجزرة الكيماوي" التي وقعت في الغوطتين الشرقية (زملكا ـ عين ترما)، والغربية (معضمية الشام) في 21 أغسطس/آب 2013، والتي راح ضحيتها 1722 قتيلا، في حين وصل عدد الذين أُصيبوا بهذا السلاح المحرّم دولياً إلى أكثر من ستة آلاف شخص، بينهم أطفال ونساء، بحسب "مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سورية" (مستقل)، ولا يزال مرتكبوها أحراراً.

وشكّلت الأمم المتحدة بعثة خاصة للتحقيق في اتهامات استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وقدمت تقريرها في 13 ديسمبر/كانون الأول 2013 إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بيّنت فيه أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلقّى 16 بلاغاً من دول أعضاء بوقوع حوادث منفصلة تنطوي على استخدام الأسلحة الكيماوية. وأشارت اللجنة في تقريرها إلى سبعة حوادث، منها في خان العسل، وحي الشيخ مقصود في حلب، وسراقب، وأشرفية صحنايا، إضافة إلى الغوطتَين. واستناداً إلى تحليل الأدلة التي جمعت خلال التحقيق الذي أجري في الفترة بين إبريل/نيسان، ونوفمبر/تشرين الثاني 2013، والنتائج المخبرية التي تم الحصول عليها، فإن الأسلحة الكيماوية استُخدمت في النزاع الجاري بين الأطراف في سورية، وحصل أكبر استخدام لها في الغوطتَين.

ولم يشر تقرير بعثة الأمم المتحدة إلى الجهة المستخدمة للأسلحة الكيماوية من بين أطراف الصراع، في حين كانت معظم المناطق المستخدم بها تلك الأسلحة، تقع في مناطق المعارضة. ولم يتبع تقرير هذه اللجنة الدولية أي إجراء يهدف لتحديد المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيماوية، أو تحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، في وقت تكرر استخدام الأسلحة الكيماوية، خصوصاً غاز الكلور، والقنابل الحارقة والعنقودية، من قبل القوات النظامية وحلفائها الروس بعد دخولهم الأراضي السورية في سبتمبر/أيلول العام الماضي.

يتأسف الرئيس التنفيذي لحزب "الجمهورية" المعارض، أحد أعضاء وفد المعارضة التفاوضي في جنيف، المحامي محمد صبرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، لتجميد هذا الملف، "وحتى لجنة التحقيق تقريباً جمّدت عملها، ربما لأن هذا الملف محرج للأمم المتحدة". من جانبه، يؤكد رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "العالم سيتجاهل التحقيقات الخاصة باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، ولن يأخذ أحد موقفاً بناء عليها، وليس هناك أي نية لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم". ويضيف أنّ "تشكيل لجان التحقيق هو لذرّ الرماد بالعيون. مستخدمو الأسلحة الكيماوية معروفون منذ البداية ومن دون أي تحقيقات، إلا أن المجتمع الدولي تجاهل هذه الحقائق واكتفى بتشكيل لجنة التحقيق لدفن الجريمة وتمييعها كما فعل بلجنة التحقيق المشكلة من مجلس حقوق الإنسان"، متسائلاً "ما نفع كل هذه التحقيقات إذا لم تتوفر جهة قضائية لمحاكمة المجرمين؟".





من جهتهم، يطالب ناشطون وقوى معارضة، استناداً إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على أن من يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين يُعد "مجرم حرب"، الأمم المتحدة بتوثيق استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية تمهيداً لإحالته إلى محكمة العدل الدولية، ممثلاً برئيس النظام بشار الأسد ورموزه وكل من شارك بإصدار وتنفيذ الأوامر بضرب الشعب بهذه الأسلحة المحظورة.

ويبين "مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سورية" في تقرير نشره على موقعه الرسمي، أنه وبحسب التحاليل والمعطيات التي أقرتها اللجنة الطبية السورية التي أوكلت بمتابعة الملف الكيماوي من قبله والتي مهمتها تحليل العيّنات التي وردت من أماكن عدة في سورية استُهدفت بالكيماوي، أن مراحل استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام بدأت مع استعمال الأخير غاز الخردل. هذا الغاز مركّب غير قاتل، هو عبارة عن سائل يصدر بخاراً خطيراً، ويسبب حروقاً وتقرّحاً في الجهاز التنفسي، وضيق تنفس عند تنشقه. ويسبب التقيؤ والإسهال عند ابتلاعه، ويلحق أضراراً بالعيون والأغشية المخاطية، والأعضاء التي يتولد فيها الدم. وأخطر تأثيراته طويلة الأجل، تتمثل في كونه مسبباً للسرطان، ولا علاج له.

وأضاف التقرير أنه "في المرحلة الثانية تطور الانتهاك إلى استعمال مادة vx القاتلة، وتسمى غاز الأعصاب. هذه المادة عبارة عن سائل أخضر اللون لا رائحة حادة له، ومفعوله دائم، ويعتبر من بين أكثر المواد سمّيّة. بإمكان مادة (في أكس) المنتقلة بالهواء أن تقتل متلقيها بغضون دقائق، لكن امتصاصها الرئيسي يكون عبر الجلد. تؤثر على الجهاز العصبي، وتشمل عوارض الإصابة غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت".

أما في المرحلة الثالثة، بحسب المركز، تطور الانتهاك إلى استعمال مادة "السيانيد والكلور سيانيد". السيانيدات هي أملاح حمض سيانيد الهيدروجين، وتتميز باحتوائها على مواد تتكون من ارتباط ذرة الكربون برابطة ثلاثية مع ذرة النيتروجين، وتعد المركبات التي يمكن أن تحرر أيون السيانيد من المواد شديدة السموم، وهي قاتلة بنسبة 97 في المائة. ولفت المركز أن آخر المواد المستخدمة في سورية هي مادة السارين (Sarin)، وهو سائل أو بخار لا لون له. تشمل عوارضه، التي تتوقف على مدى التعرّض له، غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيّؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت.