وكان غوتيريس أعلن يوم الإثنين الماضي تشكيل اللجنة الدستورية، مؤكداً أن الأمم المتحدة "ستسهل عملها في جنيف"، ومشيراً إلى أن اللجنة ستجتمع خلال الأسابيع المقبلة. ويُفترض أن تتألف اللجنة من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثّلها الهيئة العليا للمفاوضات، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير من المجتمع المدني.
وكان النظام السوري، وفي محاولة منه محاصرة الثورة في عامها الأول، وضع دستوراً جديداً أعطى منصب الرئيس صلاحيات واسعة، وسمح لبشار الأسد الترشح لمنصب الرئيس مرتين. وفاز الأسد بالرئاسة الأولى لمدة سبع سنوات بعد انتخابات صورية في منتصف عام 2014، حصل خلالها على 88.7 في المائة من الأصوات. وتحاول المعارضة أن يمنع الدستور المقبل الأسد من الترشح للرئاسة، في حين يسعى النظام إلى وضع مادة في الدستور تتيح للأخير الترشح لفترتين متتاليتين على اعتبار أن هذا الدستور يؤسس لجمهورية جديدة، وبذلك يحقق النظام السوري هدفه في تثبيت الأسد في السلطة لأعوام عدة مقبلة يأمل أن تتغير المعطيات خلالها ومن ثم يجري تعديلاً على الدستور يتيح له البقاء في السلطة إلى الأبد كما أبيه، بل وتوريث السلطة لابنه.
وفور الإعلان الأممي، بدأت تتشكل جبهات رفض للجنة في الشارع السوري المعارض، وصدرت العديد من البيانات الرافضة لها من قبل تيارات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وناشطين على مختلف المستويات. ويكاد يجمع الشارع السوري المعارض على أن اللجنة تعد صك براءة لبشار الأسد ونظامه عن الجرائم التي ارتكبها منذ العام 2011، من قتل واعتقال وتشريد لأكثر من نصف سكان سورية. كما أنها وُجدت من قبل دول فاعلة في المشهد السوري من أجل إعادة تأهيل نظام الأسد الذي يبدو واثقاً أن تشكيل اللجنة لصالحه، خصوصاً في ظل وجود عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني الموالين له فيها.
ورداً على ذلك أيضاً، شهدت مدن وبلدات في شمال وشمال غربي سورية، أول من أمس الجمعة، خروج تظاهرات شعبية رافضة للجنة الدستورية التي أعلنت الأمم المتحدة أخيراً تشكيلها من ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري، لوضع دستور دائم للبلاد تجري على أساسه انتخابات. وتحت عنوان "اللجنة الدستورية شرعنة للأسد وخيانة للثورة"، خرج مئات السوريين في مدن وبلدات محافظة إدلب وريف حلب في تظاهرات أعلنوا خلالها رفضهم الصريح لهذه اللجنة، بالتزامن مع تجديد المطالب بإسقاط النظام السوري ووقف الحملة العسكرية على محافظة إدلب.
وفي إطار ردود الفعل كذلك الرافضة للجنة الدستورية، قالت الأمانة المركزية لـ"حزب الشعب الديمقراطي السوري"، في بيانٍ، إن "الإعلان عن تشكيل اللجنة ما هو في الحقيقة إلا خلط للأوراق بهدف التهرب من تطبيق بيان جنيف1 لعام 2012"، معتبرة أيضاً أنه "نسف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 2254، الذي يعتبر أساس العملية السياسية، والتي تهدف إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي شامل وغير طائفي تتولى كل السلطات التنفيذية في الدولة". وأشار البيان إلى أن قضية السوريين "ليست موضوع دستور أو لجنة دستورية أو انتخابات، بل هي في شكل الحكم أي في الانتقال السياسي من نظام مستبد ودموي وفاسد إلى نظام وطني ديمقراطي قائم على الحرية والديمقراطية والكرامة والمواطنة والعدالة"، وفق البيان. واعتبر "حزب الشعب الديمقراطي السوري" أن اللجنة الدستورية "مسار تدمير، وأداة وأد وإهدار لكل نضالات وتضحيات شعبنا وثورته العظيمة، واعتراف بأهلية نظام الإبادة والتوحش، وتبرئته من المجازر وجرائم الحرب".
من جهته، رأى المتحدث الرسمي باسم "الهيئة السياسية في إدلب" أحمد بكرو، في تشكيل اللجنة الدستورية "تعمية وتسطيحاً لجوهر قضيتنا ومجمل تضحيات شعبنا"، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد" أن "أي دستور، ومهما بلغ من التقنية والاحتراف والمشروعية، ما هو إلا حبر على ورق، في ظل استمرار القصف والتهجير والإخفاء القسري وهيمنة العقلية المافيوية الأمنية المليشاوية على عصابة الإجرام (النظام)".
إلى ذلك، وقّع مئات المثقفين والصحافيين السوريين على بيان في وسائل التواصل الاجتماعي أعلنوا فيه "أن اللجنة الدستورية التي يشارك فيها ممثلون عن نظام الأسد المجرم لا تمثلنا"، مشيرين إلى "أن من شاركوا فيها باسم المعارضة لا يمثلوننا ولا ينطقون باسمنا، وأنهم مجموعة من المرتزقة الذين خانوا دماء الشهداء ويتوجب عزلهم ومحاكمتهم". وأعلن المثقفون السوريون رفضهم للجنة الدستورية "لأنها فكرة روسية هدفها شرعنة النظام، وتبرئته من المجازر والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها على مرأى ومسمع من العالم، وتصوير ما حدث بأنه مجرد خلاف سياسي يُحلّ بوضع دستور جديد يمثل "النظام والمعارضة"، وفق البيان.
ولا تزال ردود الفعل على اللجنة الدستورية، التي من المنتظر أن تعقد اجتماعها الأول خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل في مدينة جنيف السويسرية، في إطار الرفض الإعلامي والاستنكار، من دون أن تتبلور إلى فعلٍ سياسي غايته الإطاحة بشكل قانوني بهذه اللجنة، التي جاء تشكليها مخالفاً لبيان جنيف1 الذي يعد الأساس القانوني والسياسي للقرار الدولي 2254. وكان البيان، الذي صدر منتصف عام 2012، أكد "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة". وأضاف البيان الذي تتمسك به المعارضة مرجعاً للتفاوض مع النظام أنه "على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام".
وحول إمكانية الإطاحة باللجنة بشكل قانوني، أكد رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "غيرُ ممكن، لأن اللجنة لا تملك صفةً قانونية أو موقعاً قانونياً أو مرجعية قانونية، فهي نتيجة إرادة دول".