المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر... الإعدام تحسّباً

13 يونيو 2016
من تجمّع لأهالي المعتقلين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

قبل فترة وجيزة، أصدرت محكمة عسكرية مصرية في القضية رقم 174/ 2015 جنايات عسكرية غرب، أحكاماً بالإعدام على 8 معتقلين، والسجن 25 عاماً على 12 آخرين، وبرأّت اثنين فقط من المتهمين، في القضية المعروفة بـ"الانضمام لجماعة محظورة، والاتفاق الجنائي بغرض تنفيذ عدة عمليات إرهابية".

"قضية قائمة على نوايا لا على اتهامات ولا أحراز (مضبوطات)"، تقولها سارة الشريف، عضوة مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، وهي مبادرة مجتمع مدني مصري. وتشير الشريف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بعض الأحراز المثبتة في محاضر النيابة العسكرية غير موجودة في الأساس، كما في حالة صهيب سعد المتهم بحيازة سلاح غير مضبوط، وفي حالة محمد فوزي المحالة أوراقه للمفتي والمتهم بتصنيع دائرة كهربية غير موجودة ضمن الأحراز أيضاً".

تلك القضية نموذج عن محاكمة 7420 مدنياً مصرياً على الأقلّ، عسكرياً، منذ أن أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قانوناً وسّع من اختصاصات المحاكم العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2014 إلى اليوم، وفقاً لتوثيق أخير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش".

يشير التقرير الصادر في إبريل/نيسان الماضي، بعد أن دقّقت المنظمة في نحو 50 تقريراً إعلامياً مصرياً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، إلى أن "عدداً كبيراً من المتهمين أحيلوا إلى محاكم عسكرية، لأن الأحكام الفضفاضة في قانون السيسي تضع فعلياً جميع الممتلكات العامة تحت سلطة القضاء العسكري".

مع العلم أن هذه المحاكمات العسكرية شملت 86 طفلاً على الأقل، بالإضافة إلى طلاب وأساتذة جامعيين وناشطين، منهم من جرى إخفاؤهم قسراً، وزُعِمَ أنهم عُذِّبوا. "هذا الرقم هو الأقرب للواقع"، تقول الشريف، التي تؤكد أن "المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر في زيادة مريعة، فالقضايا لا تنتهي وأعداد المُحَاكَمين في كل قضية قد يتجاوز 200 مدني".




كما تلفت إلى أن "المحاكم العسكرية عادت لسابق عهدها في إصدار أحكام بالإعدام". كذلك تشير إلى أنه في "هذا العام، حكمت محكمة عسكرية بالإعدام على ستة من المتهمين فيها، وهناك ثلاث قضايا أخرى تبدو الإعدامات فيها محتملة، بخلاف قضية 174 جنايات عسكرية".

في هذا السياق، تكشف مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، في توثيقها لقضية 174 جنايات عسكرية، أن "تلك القضية بها سلسلة متوالية من الانتهاكات ضد 17 شاباً، بدءاً من الاختطاف والاحتجاز القسري في أماكن احتجاز سرية، والاعتداء عليهم وتعذيبهم وتهديدهم بالقتل، والقبض على أشقائهم وتعذيبهم واستخدامهم كأدوات للضغط، والاعتداء عليهم جنسياً، والاستمرار في حرمانهم من النوم والطعام لأيام عدة. وفي اللحظة التي يوافقون فيها على الاعتراف للتخلص من وطأة التعذيب، يتم نقلهم لأماكن مختلفة لتسجل مجموعة اعترافات بجرائم لم تحدث، ويتم إذاعتها على التلفزيون المصري تحت عنوان: خلية العمليات المتقدمة، ويتم التحقيق معهم من دون حضور محامٍ وبشكل صوري، فتُحرّر النيابة العامة الأسئلة والأجوبة بنفسها".

يذكر أن صهيب سعد، أحد المحكوم عليهم بالسجن المؤبد 25 عاماً، أُلقي القبض عليه في 1 يونيو/حزيران من العام الماضي، مع عمرو محمد، وإسراء الطويل. وقد ظهرت الطويل في سجن النساء بالقناطر، فيما ظهر سعد بفيديو يتضمّن اعترافات بجرائم عدة، أذاعته إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، على شاشات التلفزيون، وتبدو أيضاً مجموعة من الأسلحة، ادّعت النيابة أنها أحراز في القضية.

وتتسع دوائر المحاكمات العسكرية في مصر، لتشمل العمّال أيضاً، فقد أصدرت النيابة العسكرية منذ فترة، قراراً بحبس 13 عاملاً من عمال الترسانة البحرية 11 يوماً على ذمة التحقيقات، بعد تنظيمهم وقفات احتجاجية خلال الفترة الماضية، للمطالبة بـ"صرف الأرباح المتأخرة، وتطبيق الحدّ الأدنى للأجور". كما أمرت النيابة العسكرية بضبط وإحضار 13 عاملاً آخر، بعد توجيه اتهامات التحريض على الإضراب، وتعطيل العمل، والتجمهر، والتظاهر.

وكانت إدارة شركة الترسانة البحرية بالإسكندرية، قد أحالت عدداً من العمال بالشركة للنيابة العسكرية، باعتبارهم ممتنعين عن العمل بعد إضرابٍ نظمه عمال الشركة بمنطقة القباري في 23 مايو/أيار الماضي، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية وإقالة رئيس الشركة، وصرف الأرباح المتأخرة، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وتحسين الخدمات الصحية التي يتلقونها، وزيادة إجراءات الأمان في الشركة، وتشغيل الورش التي توقفت عن العمل بسبب عدم توفير خامات إنتاج لها، وبدل مواصلات.

وفي 25 مايو الماضي، أغلقت الإدارة أبواب الشركة في وجه العمال، وعززت قوات الشرطة العسكرية من تواجدها بمحيط الشركة ومنعت العمال من الاحتجاج، وحولت الإدارة 52 عاملاً من عمال الشركة للنيابة العسكرية بتهمة "التظاهر والتجمهر والتحريض على الإضراب".

بالنسبة لمجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، التي دشنتها الناشطة السياسية، منى سيف الإسلام عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 وتنشط في التأكيد على خطورة عقوبة الإعدام بشكل عام، خصوصاً في ظلّ هذه الأجواء الضبابية أو المشكوك فيها في سير العدالة، "فهناك خطورة أكبر في أحكام الإعدام الصادرة من محاكم عسكرية، بخلاف ما يشوب النيابة العسكرية والمحكمة العسكرية من الأصل في انتهاك حق المدنيين في المثول أمام قضاء مستقل وعادل".

وترى المجموعة أن "ضوابط عمليات الإعدام العسكري ضبابية للغاية، وبعد الحكم يتم انتظار تصديق من رئيس الجمهورية نفسه على أحكام الإعدام، بعدها خلال فترة 60 يوماً، يكون من حق الضحايا تقديم طلب للنقض إما أن ترفضه أو تقبله النيابة العسكرية. وفي حالة عدم قبول النقض يفقد الضحايا أية فرصة لاستئناف أو إعادة المحاكمة". كما أن "الإعدام العسكري لا يتمتع بضوابط في انتظار فترة معينة لتنفيذ الحكم، فهو خاضع لقرار سيادي داخل المؤسسة العسكرية، مثلما حدث مع ضحايا قضية عرب شركس، حين تم تنفيذ الحكم دون حتى التأكد أو معرفة ما إذا كان قد تم التصديق على قرار المحكمة بالإعدام من قبل رئيس الجمهورية أم لا، كعملية انتقامية للردّ على عملية إرهابية بالعريش ضد القضاة".

وكانت مصلحة السجون قد نفّذت حكماً بالإعدام على 6 مدانين في قضية "عرب شركس"، في 17 مايو/أيار من العام الماضي، وهم: محمد بكري محمد هارون، وهاني مصطفى أمين عامر، ومحمد علي عفيفي، وعبد الرحمن سيد رزق، وخالد فرج محمد، وإسلام سيد أحمد إبراهيم، بعد أن دانتهم النيابة العسكرية بـ"استهداف حافلة جنود بمنطقة الأميرية وكمين مسطرد، وقتل ضابطي الهيئة الهندسية بمنطقة عرب شركس في محافظة القليوبية، أثناء مداهمة تلك المنازل ومداهمة البؤرة الإرهابية لجماعة أنصار بيت المقدس (تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش حالياً)".


المساهمون