واشنطن والأزمة التركية: لا تسوية في الأفق

15 اغسطس 2018
لوّح أردوغان بالبحث عن حلفاء جدد (تاتيانا زينكوفيتش/فرانس برس)
+ الخط -

إذا كان صحيحاً أنّ الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا الآن، محلية المنشأ، فإنّ الصحيح أيضاً أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ساهمت بمفاقمتها. العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة، ومضاعفة الرسوم على بعض الصادرات التركية، سرّعت في تدهور الليرة التركية، باعتراف أكثر من جهة أميركية. مثل هذه الإجراءات زادت من اهتزاز الثقة في أسواق المال وعالم الاستثمارات الذي تحتاجه تركيا في ظروفها الراهنة. صدورها عن الولايات المتحدة، كبلد الدولار، وكحليف مفترض لتركيا، بعث رسالة سلبية مؤثرة، ولو أنّ "العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب لا توازي أكثر من واحد بالألف من حجم الاقتصاد التركي"، حسب المجلس الاقتصادي للمستشارين الاقتصاديين.

الإدارة تنفي أن تكون لعبت هذا الدور، "فالمشاكل الاقتصادية التركية بدأت قبل العقوبات"، كما قالت، أمس الثلاثاء، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت. بيد أنّ الواقع لا يبرّئ ساحة واشنطن التي حرصت على توقيت خطوتها تجاه تركيا، بحيث أتت في لحظة حساسة صبّت الزيت على النار. بل هي نأت عن اتخاذ أي موقف لاستدراك الوضع، بالرغم من تزايد الإشارات على احتمال انتقال عدوى الهبوط إلى عملات بلدان نامية أخرى، قد تجرّ الاقتصاد العالمي إلى أزمة مالية جديدة.

بقيت واشنطن مسمّرة عند مطلب استعادة القس أندرو برانسون من الإقامة الجبرية في تركيا، كشرط مسبق لحلحلة الأزمة مع أنقرة. لقاء مستشار الرئيس جون بولتون، أمس الثلاثاء، مع السفير التركي في واشنطن سردار كيليش، دار أساساً حول هذا الموضوع الذي دخل دائرة التحدي بين الرئيسين ترامب ورجب طيب أردوغان، لحسابات سياسية داخلية، لم تترك على ما يبدو مساحة لخط الرجعة.

بعد ذلك، اعترف البيت الأبيض باستمرار المأزق. بلوغ المبارزة هذه النقطة، بعد احتقان مزمن في العلاقات، حمل معه خطر فك التحالف. تلويح الرئيس التركي بإمكانية "البحث عن حلفاء جدد" كما كتب في مقالته التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قبل يومين، أخذه البعض على محمل الجدّ.

الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، حذر من وصول الأمور إلى حدّ الانفصال الذي قد "يدفع بتركيا إلى الخندق الروسي، وبما يشكّل خسارة جيوسياسية كبيرة". لاجتناب هذه الخسارة، دعا ستافريديس إلى اتخاذ خطوات سريعة "تبدأ بتعيين سفير أميركي في أنقرة وفتح حوار بين البنتاغون والجيش التركي إلى جانب السعي الجاد للعثور على مخرج دبلوماسي". خطاب بدأ يتردد بصوت عال من باب الحرص على استيعاب الأزمة، وعدم التفريط بورقة التحالف مع تركيا.


لكن أجواء الإدارة الأميركية، لا تشير إلى وجود نية لاحتواء المشكلة. قبل يومين، قام ترامب بتعيين 8 سفراء في الخارج، لم تكن تركيا من بينها. دليل على استبعاد التعويل على الدبلوماسية مع أنقرة. الخارجية لا ترى حلاًّ إلاّ "بوضع برانسون في طائرة تحمله إلى الولايات المتحدة".

واضح أنّ الإدارة ليست في وارد التزحزح عن هذا الشرط. على الأقل ليس قبل انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فترة قد تشهد المزيد من التردي في العلاقات التي يبدو أنّها صارت محكومة بالتآكل والنفور والرفض المتبادل، على حساب التسويات وحماية قواسم التقارب وحيثيات التحالف.

حتى الأوساط الأميركية التي تحذر من التفريط بروابط التحالف مع تركيا، تطالب الأخيرة "باتخاذ الخطوة الأولى". يعني مطلب إخلاء سبيل برانسون، الذي حوّله ترامب إلى مطلب وطني لا يجرؤ أحد على تجاوزه، لا سيما في موسم انتخابي. وبذلك كل طرف باق في مكانه، وإلى حين: تركيا ترفض الإملاء، وواشنطن ترفض التراجع.