تمهيد نتنياهو لضم الضفة: السلطة الفلسطينية بلا خيارات للرد

09 ابريل 2019
نتنياهو: ضم المستوطنات سيتم بالتنسيق مع أميركا(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي أصبح فيه الحديث عن ضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، حقيقياً أكثر من أي وقت مضى، عبر توافق إسرائيلي على كل المستويات السياسية والتشريعية والأمنية، وبدعم لا محدود من الإدارة الأميركية، يبدو أن الارتباك والاستسلام للأمر الواقع هو ما يسيطر على موقف السلطة الفلسطينية.
الإعلان الأبرز عن نيّة الاحتلال ضم الضفة، جاء على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال، أمس الإثنين، إنه أطلع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفريقه، على نيّته ضم المستوطنات في الضفة إلى إسرائيل. وأشار في حديث تلفزيوني إلى أن "ضم كل المستوطنات الإسرائيلية، المقامة على أراضي الضفة الغربية، سيتم تدريجياً، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة". وأضاف: "انتقلنا من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة البناء الكبيرة، والآن سننتقل إلى مرحلة تطبيق القانون على المستوطنات، أنا أفضّل أن أفعل ذلك بشكل تدريجي وبموافقة أميركية".

وما بين إدانة تصريحات نتنياهو كما فعلت الفصائل الفلسطينية، والتحذير من "أن ضم الضفة الغربية سيكون الخطوة المقبلة بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل"، كما أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، أخيراً، يبدو أن السلطة لا تملك أي خيارات سياسية أو عملية على الأرض للرد على قرار الضم إذا أصبح أمراً واقعاً، إذ يذهب ثاني أهم شخص في المنظمة للتحليل والتحذير.
وأصبح من الواضح أن القيادة الفلسطينية التي قالت "لا" لصفقة ترامب (صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية) وكل قراراته المتتابعة، لا تملك أكثر من هذه الكلمة منذ إعلانه الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2017، إذ ما زالت القيادة تقف عند مربع "لا" قولاً و"صفر" فعلاً.

وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "لا نستطيع أخذ مواقف وقرارات فردية، يجب أن نجتمع لنخرج بقرارات مصيرية".
ومن المتوقع أن تجتمع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم الخميس المقبل، في اجتماع تشاوري، يديره صائب عريقات، وهو اجتماع غير رسمي لأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يترأسه. وعقدت اللجنة التنفيذية للمنظمة آخر اجتماع رسمي لها برئاسة عباس في 22 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وحول التصريحات الإسرائيلية المتعاقبة لضم الضفة الغربية، قالت عشراوي: "هذه التصريحات هي استكمال للمشروع الصهيوني الأصولي وفرض مشروع إسرائيل الكبرى على فلسطين التاريخية كلها، وإنهاء احتمالات السلام". وعما إذا كانت منظمة التحرير تنظر إلى ضم الضفة في سياق الدعاية الانتخابية لنتنياهو أم أن تهديد الضم سيحدث فعلاً، قالت عشراوي: "سيحدث فعلاً، إذا راجعنا مشاريع القوانين التي صدرت، والتي يبحثها الكنيسيت الإسرائيلي حالياً، وما سيحدث في الواقع، وقارنا ذلك بالتصريحات الإسرائيلية والأميركية، طبعاً نتنياهو يريد استغلال وجود ترامب في البيت الأبيض وما يقدّمه له من دعم لا متناه، والطاقم الصهيوني الموجود في البيت الأبيض، إضافة إلى أن نتنياهو يستغل الدعاية الانتخابية ليفصح عن المخطط الذي كان ينفذه طول الوقت لكن بصمت". وتابعت: "نتنياهو قال في تصريحاته إنه لن يقبل بدولة فلسطينية، ولن يتخلى عن سيادة إسرائيلية على الضفة، والقضية الأمنية هي الأساس، والقدس تم ضمها بقرار أميركي لإسرائيل، حسب قوله".


وحول الخيارات التي تملكها القيادة الفلسطينية اليوم، قالت عشراوي: "القيادة الفلسطينية لم تُسأل، كل هذه الأمور تحدث بتوافق ومؤامرة بين إسرائيل وأميركا". وأوضحت أن "القيادة ستجتمع وتدرس الأمور، ومن مسؤولية أي قيادة الحفاظ على الشعب وقدرته على الاستمرارية ومواجهة هذه الهجمة المصيرية التي تهدف لتصفية القضية نهائياً".
وشددت عشراوي على أن "أهم شيء أن يصمد الشعب وأن يبقى على الأرض، وهذا الأمر يتطلب مصالحة حقيقية أو رأب الصدع بشكل لا يضعفنا أكثر، علماً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان استمرار الانفصال بين الضفة وقطاع غزة، فضلاً عن فصل القطاع عن الضفة، والتخلص من غزة كعبء أمني وديمغرافي بشري"، مضيفة "يجب أن نتعاطى مع هذا السيناريو وإلا سنقضي على احتمال وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة بأيدينا".

ولفتت إلى أن "هناك قضايا لها علاقة بالشعب ومتطلباته ونظام حكم صالح، وهذه الأمور بأيدينا ونستطيع تنفيذها"، مؤكدة أيضاً ضرورة التوجه إلى حركات تضامن عالمية ومؤسسات حقوق الإنسان، والكونغرس الأميركي، "إذ تشهد هذه القطاعات تغيراً لصالح الفلسطينيين، لأن إسرائيل لم تعد تستحوذ على الفضاء الإعلامي كما كانت دوماً".
واعترفت عشراوي بأن "الخيارات اليوم أمام منظمة التحرير أصعب وأقل من أي وقت مضى، خصوصاً على ضوء الوضع المأساوي الذي تمر به المنطقة والإقليم، وعلى ضوء الاستقطاب الحاصل دولياً، وأبرزها ظهور وسيطرة اليمين المتطرف الذي يرفض التعامل مع القانون الدولي ويزدري المؤسسات الدولية".

من جهتها، رأت مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، هنيدة غانم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تصريحات ضم الضفة الغربية تأتي في سياق الانتخابات الإسرائيلية، لأن نتنياهو حريص على آخر صوت في اليمين الإسرائيلي، ومن المعروف أن المستوطنين هم الأكثر تصويتاً في الانتخابات". وحول ما يعنيه الضم فعلياً، قالت: "من ناحية عملية، يعني ضم 62 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وهي الأراضي المصنفة (ج)، والضم الذي يتحدث عنه نتنياهو لا ينحصر في الكتل الاستيطانية الكبيرة، وإنما يشمل كل ما له علاقة بالمستوطنات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة أو بؤرا في بدايتها".

وشرحت غانم أن "الضم هو أبعد من إخضاع المستوطنين للقانون الإسرائيلي، فهذا هو الأمر القائم فعلياً، لكنه إخضاع الأرض للسيادة الإسرائيلية لتصبح تل أبيب ومستعمرة آرائيل بذات المكانة، والحديث هنا يتجاوز المستعمرات إلى البنى التحتية التي تخدمها والطرق التي تؤدي إليها، ما يعني أننا سنشهد طرقاً تؤدي إلى مناطق السيادة الإسرائيلية، وأخرى خاصة بالمعازل والجيوب الفلسطينية في مناطق (أ) و(ب)".

وبحسب غانم، "ليس من مصلحة إسرائيل أن تنسف اتفاق أوسلو، لأنه يعطيها تقاسماً وظيفياً، ويزيح عن كاهلها مسؤولية خدماتية لثلاثة ملايين فلسطيني في المناطق المصنفة (أ) و(ب) حسب أوسلو، وتقاسم الأدوار هذا مريح لها جداً". وحول خيارات السلطة، لفتت إلى أن "السلطة تبدو اليوم مرتبكة جداً، والوضع الداخلي الفلسطيني في أسوأ مراحله منذ 1948، ولا يوجد حديث عن خيارات فلسطينية حقيقية، وإنما طروحات لها علاقة بالتسليم بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل والتفاعل معه".