لافروف في واشنطن: اختراقات محدودة في ملفات شائكة

10 ديسمبر 2019
لقاء بين الوزيرين في سوتشي في مايو(بافيل غولوفكين/فرانس برس)
+ الخط -
في ظل تردّي العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ووصولها إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، يبحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي مايك بومبيو قضايا التسليح الاستراتيجي، وتوسّع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، والأوضاع في شرق أوكرانيا، والأزمة السورية، إضافة إلى عدد من القضايا الثنائية والدولية. واتجه لافروف فور انتهاء قمة النورماندي حول أوكرانيا في العاصمة الفرنسية باريس أمس إلى واشنطن للقاء بومبيو، اليوم الثلاثاء، في زيارة هي الأولى منذ مايو/أيار 2017.

وعلى الرغم من الضجة التي أثارها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع لافروف أثناء الزيارة الماضية وما تردد حينها عن تسريبه معلومات سرية حول محاربة الإرهاب، فإن آخر التسريبات كشفت أن الرئيس الأميركي سيلتقي الوزير الروسي. ونقلت وكالة "إنترفاكس" عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية قوله أمس إن لافروف سيجتمع مع ترامب اليوم الثلاثاء. كما أن مستشار الأمن القومي الاميركي روبرت أوبراين، لم يستبعد ترتيب اجتماع ثنائي لترامب مع لافروف، موضحاً أن اللقاء، في حال عُقد، يأتي في إطار "المعاملة بالمثل"، في إشارة إلى استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزراء الخارجية الأميركيين أثناء زياراتهم روسيا، كاشفاً أن الاجتماع "سيشهد حديثاً عاماً حول السيطرة على التسلح". وفي إشارة إلى سقف التوقعات المنخفض للزيارة، نقلت وكالات أنباء روسية عن مصدر في الخارجية الروسية قوله إن "روسيا عرضت على الولايات المتحدة الإدلاء ببيان مشترك حول منع نشوب حرب نووية، ولكنها حصلت على أعذار رداً على مقترحاتها هذه". وأضاف المصدر أن "موسكو مستعدة لتقديم ضمانات لواشنطن بعدم التدخّل في شؤونها، ولكن الأخيرة ترفض أن تفعل الشيء نفسه".

توقعات متدنية
ويُستبعد أن يفضي الاجتماع المقرر اليوم إلى خروقات في علاقات البلدين الثنائية بعدما تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ انتهاء الحرب الباردة، مع انسحابهما من اتفاقية الحدّ من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في أغسطس/آب من العام الحالي، والحرب الدبلوماسية بين روسيا والغرب على خلفية تسميم العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا ربيع العام الماضي، إضافة إلى تشديد العقوبات الأميركية على روسيا والمتصاعدة منذ الأزمة الأوكرانية في 2014، بسبب التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتدخّل في بلدان عديدة.

وقلّل مصدر دبلوماسي روسي، في اتصال مع "العربي الجديد"، من فرص حدوث اختراقات كبيرة في الكثير من الملفات، مشيراً إلى أن "اللقاء يُنظّم في ظل مشهد سياسي معقّد في واشنطن، إذ يسعى الديمقراطيون إلى البدء في إجراءات عزل الرئيس ترامب، وقبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يشارك فيها ترامب المتهم بأنه وصل إلى المكتب البيضاوي بدعم من موسكو"، مستدركاً أنه "من الطبيعي أن الحوار واللقاءات لبحث الخلافات أفضل من القطيعة وتجاهل القضايا الخطيرة، حتى وإن لم تخرج بنتائج فإنها تساهم في معرفة رأي الطرف الآخر لإيجاد حلول ومقاربات".

في المقابل، رجحت مصادر روسية، أن أهم ما يمكن أن يتمخض عنه الاجتماع هو "دعم خريطة طريق للحل في شرق أوكرانيا، تتضمن الالتزام باتفاقات مينسك، يمكن أن تخرج به قمة النورمادي الرباعية حول أوكرانيا التي تنتهي عشية زيارة لافروف". وأوضح خبير في العلاقات الروسية الأميركية، فضّل عدم الكشف عن هويته، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنه "من الصعب على ترامب وإدارته تقديم تنازلات حتى ولو كانت شكلية في الكثير من القضايا في العام الانتخابي، خصوصاً أن ملف التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016 ما زال مطروحاً"، لافتا إلى أن "الإدارة الأميركية يمكن أن تبرر تساهلها في موضوع أوكرانيا بنتائج قمة النورمادي التي تُعقد للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وأن الموضوع يخص أوروبا بالدرجة الأولى".

وخلص الخبير الذي فضّل عدم الكشف عن هويته إلى أن "موسكو، وعلى الرغم من خيبتها من مسار العلاقات الثنائية مع واشنطن أثناء حكم ترامب، تراهن على أنه في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية، يمكن أن يحسن العلاقات أو على أقل تقدير يبقي حال التخبّط في واشنطن، ويعمّق خلافات بلاده مع حلفائها، ويمنح فرصة لتعزيز دور روسيا العالمي على حساب الولايات المتحدة التي تخسر بسبب سياسات ترامب الشعبوية وتخبّطه في مواقع مهمة في أنحاء العالم". وقد تراجع الدعم السياسي والاقتصادي الأميركي للجانب الأوكراني في سنوات حكم ترامب مقارنة بما كانت عليه الأوضاع أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما.

تجنّب سباق تسلّح
وعلى الرغم من تأكيد الطرفين رفضهما الانجرار إلى سباق تسلّح جديد، انسحبت كل من واشنطن وموسكو رسمياً من اتفاقية الحد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في بداية أغسطس الماضي، وحمّل كل طرف، الجهة الأخرى، المسؤولية عن عدم الالتزام بالاتفاقية. ومن المنتظر أن يفتح لقاء لافروف-بومبيو الباب أمام اجتماعات تفصيلية للمسؤولين في مجال التسليح من أجل التوصل على اتفاقات جديدة، والعمل على تمديد اتفاقية "ستارت 3" التي تنتهي العام المقبل، وهو ما يمكن أن يؤكد عليه الوزيران في ختام اجتماعهما أثناء المؤتمر الصحافي المشترك، لأنه يتوافق مع أهداف البلدين المعلنة رسمياً، وتركيز ترامب على تطوير الأوضاع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة.

"ستارت 3"، الموقّعة في الثامن من إبريل/نيسان 2010، تنصّ على عدم تجاوز الرؤوس الحربية والقنابل النووية التي يمكن تركيبها في الصواريخ البالستية حاجز 1550 رأساً. وتقيّد الاتفاقية عدد الصواريخ البالستية العابرة للقارات المنصوبة في منصات الإطلاق، وتلك التي يمكن إطلاقها من الغواصات والقاذفات النووية بحد أقصى يبلغ 700 رأس، وما لم يتم تركيبه في منصات الإطلاق من هذه الأسلحة بما لا يتعدى 800. وفي فبراير/شباط من العام الحالي، أكدت الدولتان أنهما التزمتا بالمعاهدة، وذهب كل طرف إلى اتهام الآخر بعدم الالتزام، وأثارت روسيا تساؤلات بشأن تعديل الولايات المتحدة بعض الغواصات والقاذفات لتحمل أسلحة تقليدية، وأشارت إلى أنه لا يمكنها التحقق من عدم استخدامها أيضا لحمل أسلحة نووية.


وكانت روسيا في فبراير من العام الحالي علّقت العمل بالتزاماتها في معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. ومع تأكيده أن بلاده "يجب ألا تنجرّ إلى سباق تسلح جديد"، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقترح وزير دفاعه، سيرغي شويغو، تطوير صواريخ أرضية متوسطة المدى أسرع من الصوت، وأوعز بوتين، حينها، إلى وزارتي الدفاع والخارجية، بعدم المبادرة إلى إجراء مفاوضات جديدة مع واشنطن حول قضايا نزع الأسلحة حتى "ينضج شركاؤنا" للتعاون معنا على أساس التكافؤ. وجاءت الخطوة الروسية رداً على إعلان ترامب أن "الولايات المتحدة ستعلّق كافة التزاماتها بمعاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة والبدء في عملية الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال ستة أشهر، إلا إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة وتدمير كل الصواريخ والمنصات والمعدات التي تنتهكها".

وأكد المسؤولون الروس في أكثر من مناسبة أنه "يجب على موسكو ألا تنجر إلى سباق تسلح مكلف في ردها على انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ، وأنها لن تفعل ذلك، إذ سيتم إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة ضمن ميزانية التسلح المرصودة. كما أكدوا أن "روسيا لن تنشر الصواريخ في أوروبا أو أي مناطق أخرى ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك". لكن بوتين أشرف شخصياً على إدخال منظومات جديدة حيز الخدمة القتالية، منها صاروخ كينجال الأسرع من الصوت، ومنظومة بيريسفيت (الليزرية)، إضافة إلى منظومة أفانغارد (الصاروخية الاستراتيجية) التي خضعت لاختبارات أخيرة وبدأت مرحلة التصنيع، إضافة إلى إشرافه على تطوير أسلحة "لا نظير لها" كشف عنها في مارس/آذار 2018. وتُواصل موسكو التحذير من توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو حدودها، ولوّحت بنشر منظومات صاروخية للرد على نوايا الحلف نشر منظومات إضافية في بلدان شرق أوروبا.

الوضع السوري
ومن المنتظر أن تحتل الأزمة السورية حيزاً مهماً في مباحثات لافروف- بومبيو اليوم. وفي حين تتخبّط سياسات واشنطن في سورية في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة، خصوصاً بعد قرارات ترامب الارتجالية، وتصريحاته المتناقضة حول الوجود الأميركي في شمال شرق سورية ومنطقة التنف قرب الحدود العراقية الأردنية السورية، يبدو أن موسكو تتقدم لملء الفراغ الأميركي في المنطقة عبر التنسيق على مستويات عدة مع الأطراف المحلية والإقليمية الفاعلة على الأرض.

وسيطرت روسيا على عدد من القواعد العسكرية التي أخلتها القوات الأميركية، بدأت بتوسيع مطار القامشلي في خطوة تفتح على وجود طويل الأمد لروسيا في المنطقة، وفتح مركز جديد للمصالحة، على غرار مركز حميميم، أو نقل بعض صلاحيته إلى القامشلي في أقصى شمال شرق سورية، للإشراف على هندسة الأوضاع بين "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) الذراع السياسية لـ"قسد" ذات الغالبية الكردية، والتي باتت مجبرة على التعامل مع النظام والروس بعد قرار واشنطن الانسحاب، وبعد العملية العسكرية التركية شمال سورية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومع توافق الطرفين على ضرورة محاربة الإرهاب ومنع بروز تنظيمات متطرفة جديدة، وعدم تمكين "داعش" من الانتقال إلى أماكن جغرافية جديدة، يبدو واضحاً أن البلدين يرغبان في تسجيل نصر معنوي مهم في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق. ويختلف البلدان في موضوع التسوية السياسية، ففي حين تقود الولايات المتحدة اللجنة المصغرة، وتصّر على ضرورة المضي في الحل السياسي وفق مسار جنيف والقرار الدولي 2254، تنسق روسيا مع إيران وتركيا في مسار أستانة، وتسعى حسب تقديرات معارضين سوريين إلى نقل عمل اللجنة الدستورية إلى هذا المسار عبر تشجيع النظام على تضييع الوقت، وعرقلة أعمال اللجنة الدستورية، كما جرى في الدورة الثانية التي لم تعقد أي من اجتماعاتها.

ويعرقل إبقاء واشنطن نحو 600 جندي في شرق الفرات لحماية آبار النفط والتصرف فيها "كما نشاء" حسب تصريحات ترامب، خطط موسكو لإعادة الإعمار ومنع انهيار نظام بشار الأسد اقتصادياً، مع تراجع سعر صرف الليرة السورية والغلاء الكبير، فالجانب الروسي يراهن على موارد النفط للبدء بعملية إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، في ظل الخط الأحمر الأميركي القاضي بضرورة التسوية السياسية أولاً قبل ضخ المليارات اللازمة. ومن الواضح أن الطرفين يرغبان في كسب ودّ تركيا، وروسيا من جهتها ترغب في تعميق الأزمة بين أنقرة وحلف الأطلسي على خلفية صفقة منظمة صواريخ "إس 400".

ومن الواضح أن موسكو لا تعول على نتائج كبيرة مباشرة من زيارة لافروف، لكنها تراهن على تثبيت مواقعها كقوة عظمى في مجال التسليح، وكطرف لا يمكن الاستغناء عنه في حل النزاعات الإقليمية من كوريا الشمالية وحتى أميركا اللاتينية، وتأمل في أن تكون ولاية ترامب الثانية، في حال نجح في الانتخابات المقبلة، مرحلة قطف الثمار، حسب خبراء روس.

المساهمون