ناصر القحطاني: يجب نقل مجتمعاتنا من الاستهلاك الى الإنتاج

04 مايو 2015
المدير التنفيذي لـ (أجفند) ناصر القحطاني (حسين بيضون)
+ الخط -
يؤكد المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند)، ناصر القحطاني، أن الدول العربية بحاجة إلى الانتقال من مجتمعات استهلاكية إلى منتجة، واتباع السياسات الاقتصادية الهادفة إلى القضاء على الفقر.

وهذا نص المقابلة:

*‏ما هي أبرز المشاريع التنموية التي تقوم بها "أجفند" في الدول العربية؟
في التعريف، يعمل برنامج الخليج العربي للتنمية على دعم التنمية البشرية المستدامة والتركيز على مكافحة الفقر واستهداف اللشرائح الضعيفة في البلدان الأقل نمواً. وقد قدمت "أجفند" الدعم إلى أكثر من 1400 مشروع في 133 دولة في العالم حتى اليوم، ومع وصولنا لهذه الأرقام، أصبح التركيز في ‏‏"أجفند" ينصب على دعم المشاريع التنموية المبتكرة، وذات المردود الاجتماعي الواسع.


وتركز المشاريع التي تدعمها "أجفند" على خمسة محاور وهي: تمكين المرأة، دعم ‏المجتمع المدني، تنمية الطفولة المبكرة، التعليم المفتوح، ومكافحة الفقر عبر إنشاء "بنوك ‏الفقراء" التي تؤمن الدعم المالي في عدد من الدول العربية. ‏

*ما هو حجم هذه المشاريع وكلفتها؟
قيمة الاستثمارات في الجامعة العربية المفتوحة تقدر بملايين الدولارات، ويمكن القول إن أجفند تموّل هذا المشروع بأكثر من 32 مليون دولار، ويتم صرف حوالي 80 ‏مليون دولار سنوياً على إعداد الطلبة وتوجيههم ودعمهم. أما بنوك الفقراء، فمنذ إنشائها حتى اليوم قدمت أكثر من 300 مليون دولار ‏للفقراء والمحتاجين.‏

*ما هي أبرز الدول المستهدفة من قبل أجفند؟ ولماذا؟
الدول المستهدفة من برامج أجفند هي الأردن، اليمن، بحرين، سورية، لبنان، السودان، سيراليون، فلسطين، موريتانيا. الأولوية هي للدول ‏العربية نظرا لحاجتها إلى هذه المشاريع الهامة. وعبر العمل على المحاور الخمسة التي يلتزمها البرنامج، يمكننا أن نتحول من دول عالم ‏ثالث ودول نامية إلى دول متقدمة.

كما نسعى إلى أن تدعم هذه المحاور بشكل جيد الدول العربية، وهنا نؤكد أنه لا يوجد ‏أولوية دولة على أخرى لدى أجفند، ولكن الأفضلية هي للدولة التي تحتاج إلى المشاريع المطروحة أكثر من غيرها.

*كم عدد بنوك الفقراء التي أطلقتها أجفند حتى اليوم؟ وكم استفاد منها؟
تم إنشاء تسعة بنوك حتى اليوم، ‏أربعة منها تملك تراخيص كاملة لتقديم جميع الخدمات المالية المطلوبة، وتعتبر مشاريع هذه البنوك من ضمن آليات دعم التمويل الأصغر لتحقيق الشمول المالي، وهي تتوزع على 61 فرعاً في الدول التالية: الأردن، البحرين، سورية، سيراليون، لبنان، السودان، فلسطين، موريتانيا واليمن. ويستفيد من هذه البنوك بشكل مباشر حوالي مليون ونصف مليون شخص، ويصل إلى مليونين و290 ألف شخص بشكل غير مباشر.

وإذا أردنا الدخول أكثر في التفاصيل، يتبين وفق آخر أرقامنا أن
. هذا وتشهد هذه البنوك نمواً في رأس المال وصل في المتوسط إلى 59%، وحققت الأردن واليمن النسب الأعلى في النمو. ونسعى حتى العام 2019 لزيادة عدد المستفيدين من بنوك الفقراء إلى 7.3 ملايين شخص، وصرف مبالغ بقيمة مليار و244 مليون دولار، مع رفع حجم القروض إلى 1.4 مليون قرض.

*لكن، ما هو حجم الفائدة التي يتم فرضها على المقترض من بنوك الفقراء؟
كلمة الفائدة هي كلمة حق يراد بها باطل، هي توحي بأن هناك مبالغ عالية يدفعها الناس مقابل حصولهم على ‏القرض، ولكن الفائدة ليست سوى مورد تغطي عبره البنوك تكاليفها. لننظر إلى عملية الإقراض التي تغطي تكاليف التمويل الأصغر، المقترض يأخذ ‏من البنك قرضاً، والأخير يأخذ 6% فائدة، في حين أن راتب الموظفين يزيد عن الـ 10% من قيمة القرض، من سيدفع كل هذه التكاليف؟ ولكن ‏لو أخذنا التراخيص لإجراء العمليات المالية الكاملة، وأصبح لدينا ادخار، وإذا أعطونا المميزات التي تٌعطى للبنك، تنخفض التكاليف علينا. هذا ما ‏يجب أن نسعى إليه، فكلفة مشاريع التمويل الأصغر عالية، لا سيما في العالم العربي، وكلفة استقطاب التمويل أيضاً عالية.

*تنفقون ملايين الدولارات على بنوك الفقراء، هل الفقر يُعالج بزيادة قاعدة الاستدانة؟ أم بالسعي إلى تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية؟
بالأرقام، يوجد 351 مليون نسمة في 22 دولة عربية، 19.7% منهم يعيشون بأقل من دولارين يومياً، بحيث يقدر عدد الفقراء بـ 80 مليون شخص في العالم العربي، بين 44 مليون شخص مؤهلين للحصول على خدمات مالية، ولكن فعلياً لم يحصل سوى 7 ملايين منهم على مثل هذه الخدمات. وفي حين أن سوق التمويل الأصغر عليه طلب يقدر بحوالي 19 مليار دولار، لا تتعدى المبالغ المصروفة في هذا الإطار 1.6 مليار دولار. ما يعني أن التمويل الأصغر يجب أن يتسع ويجب أن يطال كل من يحتاج إليه، وهنا يأتي دور "أجفند".

‏ورداً على السؤال، بالطبع الفقر لا يمكن أن يعالج بالإستلاف المصرفي، إذ إن الشمول المادي أو التمويل الأصغر يخفض الفقر لكنه لا يحاربه.

ما ‏يحارب الفقر هو إعداد السياسات الهادفة وتطبيقها لخفض معدلات الفقر، ولو طبقت السياسات بشكل جيد لما احتجنا إلى مشاريع التمويل الأصغر بطبيعة الحال. اليوم، نرى الكثير من ‏المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول المتقدمة، ولكن في منطقتنا العربية ما زلنا متخلفين جداً في هذا المجال، والسبب أن ‏السياسات لا تدعم هذه المؤسسات ولا يوجد أي شمول مالي محقق. في حين أن السياسات في الدول المتقدمة تدعم تلقائياً المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي هم ليسوا ‏بحاجة إلى الشمول المالي.

وفي إحصاء حول بنوك الفقراء التابعة لأجفند، نلحظ أن 57% من العملاء يعيشون على أقل من دولارين يومياً، و43% من العملاء يعيشون على أقل من دولار يومياً، وغالبية هؤلاء من الشريحة العمرية القادرة على الإنتاج، وهذه أرقام تتكلم لوحدها، فهؤلاء يحتاجون إلى دعمهم للدخول إلى دائرة العمل.

*هل هذا يعني أن المؤسسات التي يجب أن تدعم الفقراء تحتاج إلى دعم هي الأخرى؟
فعلياً، يوجد عدد محدود جداً من البنوك المتخصصة والمؤسسات المؤهلة لتغطية سوق التمويل الأصغر في العالم العربي، وثمة ندرة في الكوادر المؤهلة والمتخصصة في صناعة هذا النوع من التمويل، وكذلك تعاني مؤسسات التمويل الأصغر العربية من عدم توافر التسهيلات المالية لها في الوقت المناسب لتغطية وتلبية احتياجات عملائها. وكذلك، تواجه هذه المؤسسات جملة من التحديات، أبرزها غياب الاستراتيجيات الوطنية للتمويل الأصغر، وعدم وجود تشريعات تنظم هذه الصناعة، وضعف الوعي والدعم لمبدأ الأعمال الاجتماعية. وبالتالي تعمل أجفند على تطوير البيئة التشريعية للتمويل الأصغر، وإشراك القطاع الخاص بالاستثمار الاجتماعي في رأس المال، ودعم الصناعات المساندة.

*ما هو وضع المرأة العاملة في الدول العربية وكيف يمكن تمكينها؟
إن تمكين المراة العربية يتم من خلال تقديم الدعم المالي لها لكي تؤسس مشاريعها الخاصة، إضافة إلى سن تشريعات تعطيها الأولوية في عمليات التوظيف، وغيرها من الإجراءات التي من المفترض أن تقدم البيئة المناسبة للمرأة العاملة.


مثلاً، إذا نظرنا إلى ‏وضع المرأة الأم نرى أنها لا تتوفر على بيئة مناسبة، فإذا أرادت أن تعمل أين تضع أطفالها؟ العمل مهم ولكن ماذا عن الحضانة؟ وبالتالي، من المفترض أن تتأمن حضانات الأطفال وأن تكون قريبة من مركز العمل وبسعر مقبول، بحيث لا تصرف المرأة العاملة راتبها على حضانة طفلها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن نسبة النساء المستفيدات من بنوك الفقراء التي تدعمها أجفند وصلت إلى 62% من إجمالي عدد المستفيدين.

*برغم المشاريع التنموية لا يزال الفقر والبطالة موجودين في العالم العربي، ما هو الحل برأيك؟
الحل برأيي هو أن نخلق فرصاً اقتصادية أكثر وتعليماً أفضل للأجيال الصاعدة. حينها فقط نصبح منتجين، لا مستوردين. وهكذا يمكن التأسيس لحلول مستدامة لمشكلة البطالة والفقر.

*على من تقع مسؤولية تهميش الشباب العربي في سوق العمل؟
تهميش الشباب هي مسؤولية الجميع، مسؤولية الحكومات والجامعات، ومسؤوليّة الشباب أنفسهم أيضاً. فالذي يدرس ‏بالجامعة العربية المفتوحة يستطيع أن يقدم مشروعه أثناء دراسته وبذلك يحصل على قرض، وحينها ‏يمكنه فتح عمل خاص به، إذ إن التعليم لا ينبغي أن يعيقنا عن دخول سوق العمل، يمكننا اليوم أن نتخرج ‏ونخلق وظيفة بدلاً من أن نبحث عنها حين نتخرج من الجامعة.

*تعمل برامج صندوق النقد والبنك الدوليين على خفض معدلات الفقر، إلا أننا نلحظ أن المستويات هذه ترتفع سنوياً، ما تقييمك لهذه البرامج؟
الحديث عن هذه الصناديق طويل، إذ إن برامجها فيها الجيد والسيئ، اليوم يوجد الكثير من الإحباط نتيجة التوقعات المرتفعة التي كانت مرسومة، والأزمة المالية التي بدأت في 2008، لم يتوقعها أحد ولم تصل إلى حلول نهائية حتى اليوم. أعتقد أن هذه المؤسسات أخفقت ‏في التوقعات وأخفقت في حل التداعيات.

ومن جهة أخرى، نحن كدول يجب أن نطور أنفسنا ونكون قادرين على حل أزماتنا بأنفسنا، إذ لدينا عدد كبير من الاقتصاديين وعدد كبير من الخبراء الذين يستطيعون وضع أجندات حلول للمشكلات التي نعاني منها. وهنا لا أقلل من أهمية الخبراء الأجانب، ولكن على الأقل فليتحاور الأجنبي مع خبرائنا للوصول إلى البدائل الاقتصادية الملائمة.

ففي لبنان مثلاُ، يتم الاستعانة بخبير اقتصادي أو مالي من أوروبا، في حين أن الخبير اللبناني يعرف أكثر عن بلده ويعرف كيف يقترح الحلول اللازمة لمشكلاته. لا بل إن الخبير المحلي يمكن أن يجد الكثير من السياسات البديلة بسرعة، بدلاً من انتظار الأجنبي لكي يفهم واقع البلد ومن ثم يقترح الأجندات الملائمة له.

مشاريع الدعم المستقبلية
يقوم برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) بدعم التمويل للمشاريع متناهية الصغر في عدد كبير من الدول العربية، ويساهم في الكثير من الندوات المرتبطة بهذه القضية، كان آخرها ندوة نظمتها مؤسسة الإبداع للتمويل متناهي الصغر في لبنان بعنوان "التنمية الاقتصادية من التمويل الأصغر إلى الشمول المالي" في المعهد العالي للأعمال، في حضور المدير التنفيذي لبرنامج "أجفند" ناصر القحطاني حيث إن "إبداع" عضو في البرنامج، رئيس مجلس إدارة إبداع - لبنان أحمد طبارة والمدير العام بشار قوتلي، وحشد من الفعاليات والهيئات الاقتصادية.

وشاركت "العربي الجديد" في الندوة، باعتبارها الشريك الإعلامي. وفي فاعليات الندوة، تطرق طبارة إلى أعمال البروفسور محمد يونس (أول مؤسس لبنوك الفقراء)، التي تستهدف الحد من الفقر في البلدان النامية، والتي ألهمت بعض رجال الأعمال في الوطن العربي ليطلقوا بشراكاتهم مع الأجفند مؤسسات مالية وشركات ذات طابع اجتماعي تقوم على قاعدتين: لا خسائر ولا عوائد للمساهمين. القحطاني قال إن مشروع التمويل المتناهي الصغر يهدف إلى تحقيق الشمول المالي من خلال قروض صغيرة لشرائح اجتماعية أكثر فقرا تسعى إلى إيجاد مشاريع إنتاجية خاصة بها.

بطاقة
ناصر بكر القحطاني من مواليد المملكة العربية السعودية في العام 1962، يحمل شهادة الماجستير من جامعة ميامي، مدير تنفيذي لبرنامج الخليج العربي منذ 1998، وهو رئيس فريق تأسيس بنوك الفقراء في الوطن العربي وعضو في مجالس إدارة الكثير من البرامج والمؤسسات التمويلية في الوطن العربي.

إقرأ أيضا:  الجمعيات "الإنسانية" تتربّح من مأساة السوريين



المساهمون