الزواج المختلط في المهاجر.. قصص للنجاح وأخرى للفشل

02 اغسطس 2015
اللاعب الفرنسي ريبيري وزوجته الجزائرية وهيبة(Getty)
+ الخط -
كريم، الشاب الفرنسي المتحدر من عائلة مغاربية بيضاوية ميسورة، أقام لحوالى 5 أعوام في منزل استأجره مع طليقته البلجيكية، أمضى معظم تلك الفترة بلا عمل، أنجبت زوجته خلالها ثلاث فتيات يحملن أسماء عربية إسلامية، ضبطته زوجته مع إحدى بنات الهوى صدفة، لكنه يقول إن زوجته أرادت الاستئثار بحضانة الأولاد، صار مسموحا له بموجب قرار قضائي رؤية بناته الثلاث مرة واحدة شهريا.. بعد فترة اختلف مع زوجته بشأن حجاب ابنته الكبرى فاطمة، التي بلغت حوالى سبع سنوات، رغم أنه لا تبدو عليه ملامح التدين أو التشدد. كسبت طليقته دعوى بمنع الاقتراب من البنات، وعاد إلى باريس. وباستقصاء بعض آراء الشبان العرب الواصلين الجدد، يظهر مصير الشاب البيضاوي كابوسا يلاحق من يفكر منهم بالارتباط بأوروبية.
على أن هذه الأفكار و"الكوابيس" لم تلاحق الصحافي، كامل الطنجي، وعائلته وزواجه المتواصل منذ أكثر من عقدين، من سيدة روسية "عاشت معه على الحلو والمر" كما يقول المثل، متنقلين بين روسيا ومخيم اليرموك في سورية، والآن موسكو مجددا. كامل يظن أن أية ثقافة جوهرها الإنسان، متحدثا عن زواجه بالسيدة فكتوريا : "أستطيع تقييمها تقييما جيدا بحكم أنها ما زالت مستمرة ودون أية مشاكل جوهرية ، ونحن، الاثنين، نشكل أسرة واحدة وهدفنا في الحياة كهدف أية أسرة أخرى.

مساوئ المختلط

كريم، شاب لبناني متزوج من أوروبية، قال لـ "العربي الجديد" عن تجربته: "في البداية شعرت أنّني في مرحلة اكتناه عالم جديد، كانت مختلفة عن الفتيات اللواتي عرفتهنّ في بلدي"، ويستدرك، أنّه لا يعني أنّها أفضل منهن لكنّها ببساطة تجربة من نوع آخر. ويكمل: "بدأ الأمر كأية علاقة غير جديّة لينتهي بي المطاف إلى الزواج بها". يتحدّث عن شوقه للقاء أهلها والسفر إلى بلدها والتعرّف على الأقارب. لكن مع مرور الوقت، الأمور التي بدت بسيطة وغير مهمّة باتت مصدراً لمشاكل يومية ومنها الاستماع إلى الأغاني أو المزاح، الذي صعب علينا تقبّله للاختلاف الكبير بين أسلوبها وأساليبنا في الشرق. أمّا القضيّة الأكبر فهي عجز أهلها عن تحدّث اللغة الإنكليزية، وكانت زيارتهم لنا في لندن حيث يمضون أسابيع ويفرض عليّ الشعور بالغربة في منزلي، إذ لا أفقه كلمة ممّا يقولون بانتظار أن تترجم لي زوجتي جزءاً من الحديث". و"الإيجابيات في الزواج من أجنبية"، يقول كريم، لا تتجاوز شخصها فهي أم مثالية على الرغم من سعادته معها لكنّه يشعر أحيانأ بوجود حواجز. يبتسم كريم ويقول إنّه لو تزوّج من امرأة شرقية كانت على الأقل ستشاركه متعة الاستماع إلى فيروز في الصباح.
في المقابل قالت لينا زوجته من أوروبا الشرقية، إنّهما لا يتشاركان الذكريات التي يمرّ بها أبناء البلد الواحد، وحين تتحدّث عن أحداث معيّنة في وطنها يبدو هو غير آبه بما تقوله، لأنّه عاش مجريات مختلفة. كما أنّ زيارة أهله الذين يتحدّثون طوال الوقت لهجتهم اللبنانية، تجعلها تشعر بالملل، وهو لا يسمح لها بالخروج مع صديقاتها في المساء. تضيف لينا أنّها تفكّر بالمشاكل التي ستواجهها لاحقاً في المستقبل حين يكبر الأولاد وخصوصاً الفتاة، كونه يرفض أن تقيم أية علاقة غرامية مع شاب قبل الزواج، بينما الأمر طبيعي في مجتمعها. وتلفت إلى أنّه لا مشاكل من ناحية الديانة لأنّه أرثوذوكسي مثلها.
لا تندم لينا على زواجها من شرقي، بل تقول إنّها لطالما أرادت ذلك، لأنّ غالبية شباب بلدها يتعاطون الخمر بكثرة وبشكل يومي بينما هو لا يتناوله إلاّ في ما ندر، كما أنّ الزواج من شخص غريب عن بيئتها، يفتح أمام أبنائها المجال للتعرّف على ثقافات مختلفة عوضاً عن التقوقع والانغلاق على ذاتهم، كما يوفّر لهم فرصة تعلّم لغات جديدة.
حالة نوال الأردنية، كانت مختلفة، لأنّه توجّب عليها أولاّ إقناع شريك حياتها الإنكليزي بالتحوّل إلى ديانتها قبل الزواج به.

حالات إيطالية
الزواج المختلط حاله حال الزواج العادي، من المحتمل أن يكلل بالنجاح أو ينتهي بالانفصال والطلاق، ومن التجارب الناجحة تجربة عبد الفتاح المقيم في مدينة بيروجيا الإيطالية والتي جاء إليها قبل ثلاثين عاماً طالباً والتقى هناك في جامعتها الشهيرة لتعليم اللغات بغراتسيلا ووقع في حبها وتزوجها.
ويصف عبدالفتاح زواجه بالجميل وأنه كان أيضا في زمن جميل عندما كان للحب طعم ونكهة مختلفة، وأن أكثر ما كان يجعله يتعلق بزوجته هو يساريتها وتضامنها مع القضايا الإنسانية العادلة وهو ما تشتهر به مدينة بيروجيا.
ومن حالات الزواج المختلط التي يمكن وصفها أيضا بالناجحة قصة جورج من أصول مصرية، ويصف زاوجه بالصدفة الرائعة، فقد كان في حالة من الضياع والتعب ولم يكن يملك يورو واحداً ثمن طعام له، ودخل أحد المقاهي في مدينة ميلانو ليقع في حب النادلة التي كانت تكبره سنا، وعرض عليها الزواج واليوم يعمل في ذلك المقهى. يصف زواجه بالناجح وعنده ولد من السيدة كلاوديا ويبلغ من العمر عشر سنوات، والمشكلة التي تعترضه هي اللغة حيث أنه خلال زياراته لأهله في مصر فإن ابنه، دافيده، لا يجيد اللغة العربية، ويطمح إلى أن تقوم الجالية المصرية في إيطاليا بتنظيم دورات للغة العربية فهي مهمشة وليس لديه وقت ليعلم ابنه اللغة العربية، التي هي لغة ثقافته وحضارته. وأما زوجته كلاوديا فتقول إنها تعرفت الكثير الكثير عن الحضارة المصرية والثقافة العربية، وإن ما يجمع الشعوب أكثر مما يفرقهم، وإن تقارب الحضارات هو وسيلة ليعم السلام بين ضفتي المتوسط.
هناك حالات من الزواج، التي كانت نهايتها الفشل الذريع وتركت انطباعاً سلبيا لدى الطرفين وهو ما حدث مع أحمد من مدينة جنوى، الذي لم يستمر زواجه لأكثر من عامين، حيث أن الخلافات بينهما كان سببها التفاوت الثقافي والحضاري أيضاً، فهناك عادات مجتمعية لم يتقبلها السيد أحمد على حد وصفه، وأن الحب في البداية قد يجعل الإنسان لا يرى تلك الاختلافات، ولكن بعد الزواج تظهر وتصبح عاملاً معيقاً للاستمرار في هذه العلاقة، وخاصة أن سكان الشمال الإيطالي أكثر انفتاحاً وعاداتهم مختلفة عن عاداتنا، وهو ما لم تتفهمه زوجته التي كانت ترغب في أن ينسلخ وبشكل كلي عن ثقافته وانتمائه،" وهو أمر صعب لرجل مثلي تكوّن وتشكّل وعيه في المشرق العربي"، على حدّ تعبيره. ويقول السيد أحمد الذي عنده طفلة صغيرة إن القوانين مجحفة بحق الزوج، وإن هناك سلسلة من القوانين والتشريعات التي تعطي المرأة كامل الحقوق على حساب الزوج في حالات الطلاق. وعن تجربته يقول إنها حالة خاصة، فهناك عدد من أصدقائه المتزوجين من أجانب يعيشون حياتهم بسعادة واستقرار.

الأندلس مرة أخرى

هلا جديد، شابة سورية، تعيش في غرناطة. جاءت إلى إسبانيا منذ أكثر من 18 عاماً، وكان ذلك بمحض الصدفة، حيث رافقت بعض الأصدقاء في معرض فني، عُرض في ذلك الوقت في مدن إسبانيّة مختلفة. أحبتْ اسبانيا وقررتْ البقاء. في عام 2001 تزوجت من شاب إسباني اسمه أليخاندرو. تقول هلا لـ "العربي الجديد": "لم يكن هناك عائق لذلك الزواج، ويعود ذلك لنوعيّة أهلها، وانفتاحها على الآخر المختلف".
حسين طلال، ويعيش في مدريد، جاء إلى إسبانيا منذ ثلاث عشرة سنة، بهدف دراسة الفلسفة في مدريد، عندما كان شاباً صغيراً، ومّر حسين بعلاقتي زواج في إسبانيا، من الأخيرة أنجب طفلاً. حسين لديه رأي آخر مثير للاهتمام ومختلف، يقول: "نحن مجتمعات في حياتنا اليومية تبدو الجماعة حاضرة بقوة، بينما هنا حضور الجماعة أقل بكثير". لكنه استطاع أن يتجاوز كل الخلافات مع شريكته عن طريق إيجاد نوع من التوازن في حياته الخاصة وبالقيام بتنازلات من الطرفين لتقريب المسافات الثقافية، وهو أمر لا يمكن أن يستهان به في حالات الزواج المختلط، وأية محاولة لإهمال هذا الجانب تؤدي إلى انهيار مفاجئ لزواج مختلط له أكثر من رهان.

(ساهم في الملف: كاتيا يوسف/لندن- محمد بيطاري/مدريد- أحمد حسين /إيطاليا- محمود نصار/ بروكسيل- ابتسام عازم/نيويورك)







المساهمون