غادر المواطن البحريني محمد سالم، وحدة المؤيد لعلاج الإدمان بالعاصمة المنامة، ليرد على هاتفه، بعد ساعات طويلة من الانتظار من أجل الحصول على سرير ومكان لعلاج ابنه العشريني المدمن على "الهيرويين"، بصوت متعب أجاب زوجته، "لا تخافي.. مابهد (لن أترك) المستشفى إلا بعد الحصول على موعد".
منذ أسبوعين ينتظر سالم من أجل الحصول على دور لابنه من أجل العلاج في وحدة المؤيد، التي تعد فرصته الوحيدة للتعافي من براثن الإدمان، إذ تعد وحدة المؤيد التي تأسست في العام 1987، المركز الحكومي الوحيد في البحرين، المخصص لعلاج مدمني الكحول والمخدرات من المواطنين والمقيمين، وهي جزء من مستشفى الطب النفسي. ولكن وفقا لجولة قام بها معد التحقيق، فإن الوحدة تفتقر إلى الجاهزية الكافية لاستيعاب المترددين، إذ تستقبل الوحدة مع العيادات الخارجية التابعة لها 9 آلاف زيارة شهرية، فيما يعالج داخلها 360 مريضاً مقيماً داخل المستشفى سنويا، في المتوسط، بحسب إحصائيات عمل الوحدة التي حصل عليها معد التحقيق.
وبحسب جولة معد التحقيق، يبلغ عدد الأسرّة في الوحدة 29 سريرا، في الوقت الذي قدّر آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول الإدمان، أن البحرين فيها ما بين 20 إلى 30 ألف مدمن، أكثرهم كانوا من فئة الإدمان على المخدرات وأعمارهم تراوح بين 25 وحتى 70 عاماً.
اقرأ أيضا: ماذا يأكل البحرينيون؟.. أغذية فاسدة تهدد صحة المواطنين والمقيمين
قوائم الانتظار
تكشف مصادر في وحدة المؤيد، لـ"العربي الجديد"، أن نسبة الإشغال في جناح "سحب السموم" (أهم قسم داخل وحدة المؤيد)، تصل إلى 100% بصورة مستمرة، وأن قوائم الانتظار ترواح بين 100 و150 شخصا بشكل دائم.
ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور عبدالنبي درباس، الذي عمل رئيسا للوحدة عدة سنوات: "في ظل الأعداد المتزايدة من المرضى، يصبح عدد الأسرّة غير كاف، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من مدمني الهيرويين الذين يصعب علاجهم في البيت"، وهو ما يؤكده محمد سالم (والد الشاب المدمن على الهيرويين)، قائلا لـ"العربي الجديد": "أحاول السيطرة على ابني لأن عدم متابعة العلاج في المستشفى، تجعله يعود سريعا للإدمان. الأسرة فشلت في علاجه بالبيت لتخوفنا من تصرفاته وإمكانية أن يؤذي شقيقاته".
وفي محاولة لمواجهة نقص أسرّة علاج الإدمان، توفر جمعيات خيرية واجتماعية برامج لعلاج المدمنين مجانا ولكنها محدودة الميزانية. وتعد دار الأمل بجمعية "التعافي من المخدرات" واحدة من أبرز تلك المؤسسات، كما يقول خالد الحسيني، مدير الدار، متابعا أنها تساهم في علاج حلات محدودة بالإمكانيات الذاتية، مطالبا بالدعم الحكومي.
كلفة علاج المدمنين
بحسب آخر إحصائية صادرة عن إدارة مكافحة المخدرات بالإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، تغطي الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني حتى 20 يونيو/ حزيران 2015، فقد تم ضبط ما يزيد عن 50 كيلوغراماً من الحشيش والهيرويين والميثاإمفيتامين، الماريجوانا والأمفيتامينات و120 ألف حبة من الترامادول والبرازولام.
ويضم الكادر العلاجي لإدمان المخدرات والكحول في وحدة المؤيد الحكومية 5 أطباء وباحثة اجتماعية و33 ممرضاً ومرشداً، وكلهم من البحرينيين، وتبلغ كلفة علاج المريض الواحد في اليوم 150 ديناراً (قرابة 400 دولار)، بينما تكلف الإقامة في المستشفى، لمدة شهر، 4.500 دينار (قرابة 12 ألف دولار)، تتكفل بها الدولة، بحسب بيانات حصل عليها معد التحقيق من وحدة المؤيد.
وتضم الوحدة عدة أقسام، على رأسها قسم سحب السموم وقسم التأهيل وقسم العيادات وقسم متابعة ما بعد التأهيل. وتوفر الوحدة نوعان من العلاج تبدأ بإزالة السموم، فيما تعنى بقية الأقسام بتأهيل المرضى لإعادتهم مجددا إلى مجتمعهم، غير أن جناح التأهيل في وحدة المؤيد مغلق منذ عام، بعد نقل الطبيب المختص إلى قسم آخر بمجمع السلمانية الطبي (المجمع الرئيسي الذي تتبع له وحدة المؤيد)، وتعالج الوحدة المدمنين الذين تزيد أعمارهم على 21 عاما، وفي حالات استثنائية تعالج حالات تبدأ من 18 عاما، أما المرضى الأصغر سنا فيحوّلون إلى وحدة الأطفال والناشئة.
تقول الاستشارية بالوحدة معصومة عبد الرحيم: "نقوم بإدخال المريض من 3 إلى 4 أسابيع لسحب السموم من الجسم. 90% من المرضى الذين يتلقون العلاج في الوحدة من الرجال، رغم وجود مدمنات، إلا أن "النظرة المجتمعية تمنعهن من العلاج".
وتوفر الوحدة علاج "الميثادون" الذي يستخدمه المدمنون لوقف التعاطي، إذ يمنع رغبة المدمنين بالتعاطي، لكن 4 مدمنين التقتهم "العربي الجديد" يشكون من إيقاف العقار، ما قد يؤدي لانتكاسات في حالاتهم رغم انخفاض كلفته وترخيصه من جانب منظمة الصحة العالمية. ولم تعلق الوحدة على سبب إيقاف العقار، الذي يؤكد طبيب مختص في علاج الإدمان أن المريض يعتاد تعاطيه ويدمنه هو الآخر، وهو ما دعا الوحدة إلى إيقافه.
وبحسب جولة لمعد التحقيق، توفر بعض المراكز الخاصة جلسات لعلاج الإدمان ولكن بأسعار باهظة تصل إلى 150 دولاراً للجلسة الواحدة.
اقرأ أيضا: مافيا رخصة السواقة..المدربون في البحرين يستغلون المواطن والمقيم
"الواسطة" للحصول على سرير
يقول إبراهيم سعد (اسم مستعار)، موظف حكومي، إنه حصل على فرصة علاج ابنه "بالواسطة" عبر قريب في إحدى الإدارات بوزارة الصحة، متابعا لـ"العربي الجديد"، أمام وحدة المؤيد: "لولا قريبي لفقدت الأمل. ابني كان على وشك أن يعود إلى طريق الخراب، ولكني حاربت 4 أشهر، حتى حصلت له على سرير للعلاج".
إلى جانبه وقف ابنه منكس الرأس، قائلا إن بدايته في الإدمان كانت عبر سيجارة للتباهي أمام أصدقائه، ثم رافقهم في جلسات شرب الكحول بعد مشاكل أسرية وانفصال والديه، وصولا إلى إدمان الأقراص المخدرة والحشيش.
البحث عن العلاج في السعودية
التقت "العربي الجديد" مع عدد من المرضى وذويهم، الموجودين على قائمة الانتظار في وحدة المؤيد، من بينهم خالد أحمد، والد أحد المدمنين، الذي قال إنه ينتظر دورا لابنه منذ 3 أسابيع، فيما أشار المحاسب أحمد حسين، والد مدمن يتعاطى حقناً مخدرة، إلى أنه يدّخر راتبه الذي يبلغ 380 ديناراً (قرابة 1000 دولار)، منذ شهرين من أجل علاج ابنه في مركز علاج للإدمان في السعودية. ويتابع: "أبحث عن فرصة لعلاج ابني قبل فقدانه".
ويؤكد استشاري الطب النفسي ورئيس الوحدة سابقا، الدكتور عبدالنبي درباس، أن بعض المرضى يسافرون إلى السعودية بحثا عن العلاج، نظرا لأن المركز الذي يقصده أغلب المرضى في البحرين يستوعب 200 سرير بعكس وحدة المؤيد التي تستوعب 29 سريرا، والحل الوحيد هو الإسراع ببناء وحدة جديدة لعلاج الإدمان في البحرين والتي من المفترض أن تستوعب 100 سرير.
اقرأ أيضا: العالم السري للمتفجرات [5/ 7]..السعودية تخشى تهريب الـ RDX
متعافون: "المؤيد" لم تنجح في علاجنا
وفقا لعدد من المتعافين من الإدمان التقت بهم "العربي الجديد"، فإن وحدة المؤيد لم تنجح في علاجهم وأخفقوا مرات عديدة، وعادوا للإدمان خلال فترات علاجهم في وحدة المؤيد، قبل أن يذهبوا إلى المراكز المتخصصة في الخارج بدعم من جمعيات خيرية بحرينية، من بينهم الأربعيني ناصر إدريس، الذي تعاطى الترامادول والهيرويين بعد وفاة زوجته. يقول إدريس لـ"العربي الجديد"، إن بعض المرضى يلجأون إلى المستشفى للحصول على بدائل المخدرات عندما يفشلون في إيجاد أموال لشرائها من الخارج، ثم يتوقفون عن العلاج، إذ لا يوجد قانون يلزمهم باستكمال العلاج أو بقائهم بالوحدة، موضحا أنه خرج من الوحدة أكثر إدمانا قبل أن يحصل على دعم من جمعية خيرية للعلاج في مركز خاص في السعودية.
وتنفي وحدة المؤيد اتهام المرضى بالفشل في علاجهم، موضحة في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها تعمل بأقصى طاقتها لعلاج المرضى عبر كل كوادرها المؤهلين.
لكن مسحا ميدانيا لعيّنة عشوائية بوحدة المؤيد نشر في مجلة الإعلام الأمني الصادرة عن وزارة الداخلية البحرينية، في العام 2009، أوضح أن نسبة المدمنين الذين توقفوا عن الإدمان بلغت 4.4%، مقابل 43.3% توقفوا بصورة جزئية، و52.2% لم يتوقفوا عن الإدمان، وهو ما يدل على عدم فاعلية العلاج.
اقرأ أيضا: مخدرات قاتلة في القاهرة.. مروجون يخلطون الترامدول بالحشيش
المدمنون يتلقون 25% من العلاج المطلوب
ترى الدكتورة شريفة سوار، اختصاصية العلاج النفسي والسلوكي، أن فرصة المدمنين ممّن يدخلون إلى وحدة المؤيد للعلاج ضئيلة للغاية، إذ إن الإقامة بالوحدة تصل إلى ستة أسابيع فقط، ويصل المدمن إلى الخطوة الثالثة في علاج الإدمان ثم يخرج من وحدة المؤيد على الرغم من عدم حصوله على 9 خطوات أخرى لا بد أن يمر بها لعلاج الإدمان.
وتحمّل الدكتورة سوار، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "ضعف الطاقة الاستعابية بوحدة المؤيد مسؤولية خروج المرضى المبكر، ما يجعلهم عرضة لخطر الانتكاسة"، قائلة: "الجدول البياني لعلاج الإدمان لا يحصل المرضى سوى على 25% من العلاج المصمم وفقه، أي تنقصهم عن تمام الشفاء نسبة 75% منه".
وبحسب سوار الحاصلة على دكتواره في العلاج النفسي من جامعة ريدنج البريطانية، فإن "81% من المتعاطين يعانون في أغلب الأحيان من 12 اضطرابا إضافيا تتمثل في الاكتئاب والتوتر والوسواس القهري والأمراض الجسدية والغضب والخوف الاجتماعي وفقدان الهوية الشخصية والأمراض العضوية المسببة من الاضطرابات النفسية والأفكار الانتحارية، وكل اضطراب يستغرق أربعة أيام على الأقل من العلاج، وبذلك هم بحاجة إلى ما لا يقل عن أربعة أشهر للخروج والعودة إلى المجتمع". وطالبت سوار عبر "العربي الجديد"، وزارة التنمية بزيادة التراخيص لإعادة فتح مراكز علاج الإدمان، مؤكدة وجود صعوبات تجدها بعض المراكز للترخيص.
مقترح المركز الإضافي لعلاج الإدمان يرواح مكانه منذ 8 أعوام
يؤكد رئيس مستشفى الطب النفسي، عادل العوفي، أن إدراة المستشفى طرحت مشروعا مشتركا مع وزارة الداخلية لإنشاء مركز علاج وتأهيل متكامل للإدمان إضافة إلى وحدة المؤيد، وهو ما لاقى دعما من عدد من أعضاء مجلس النواب في الدورة السابقة. قائلا، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "المقترح كان قبل 8 أعوام. نتمنى إنجازه خلال 3 أو 5 سنوات ليتماشى مع المتطلبات والحاجات الملحة".
وردا على أسئلة "العربي الجديد" حول المركز الإضافي لعلاج الإدمان، قالت الوزارة إنها وضعت كافة الدراسات والمخططات المتعلقة بالإنشاء بما في ذلك الأرض المخصصة، وتقدّر كلفته بـ10 ملايين دينار، وأن هناك جهودا واتصالات مستمرة مع وزارة الداخلية للبدء في المشروع قريبا، لكن الوزارة لم تعطِ وقتا محددا في تصريحها لـ"العربي الجديد".
وتؤكد الوزارة أن مركز التأهيل الجديد يحتاج إلى 4 سنوات لإتمام جاهزيته إذا ما انطلقت أعمال إنشائه غدا، "وهو ما يعني أن معاناة المدمنين قد تستمر سنوات أخرى"، بحسب الدكتورة سوار، التي اقترحت "فتح الباب للمستشفيات الخاصة من أجل تقديم العلاج للمدمنين حتى وقت جاهزية المركز".