معهد العالم العربي

21 يوليو 2015
+ الخط -
لمبنى "معهد العالم العربي" كمثال على امتزاج القوّة والجمال في العمارة أكثر من قصّة. تحكي الأولى عن بصيرة رئيس المعهد الحالي والوزير السابق جاك لانغ، في الميل إلى معماريين شباب لتصميم مبنى في باريس ممثّلًا لحكاية تقول: حين يلتقي الشرق والغرب.
كان المعماريون المتسابقون في الثلاثينيات، ومن بينهم شاب يدعى جان نوفيل، سيصير في ما بعد أحد أشهر المعماريين العالميين. الأمور لا تتجزأ، فإمّا أن يكون المعماري لامعًا ومثقفًا حقيقيًا أو لا يكون. في تقديمه للمشروع كتب نوفيل: "الموقف الثقافي في هندسة العمارة، ضرورة. ما يوجب رفض الحلول السهلة والجاهزة، لإتاحة الفرصة أمام مقاربة شاملة في مفهومها وخاصّة بالموقع في آن معًا".
المبنى يتبع موقعه تمامًا، إذ وهو الواقع في الدائرة الخامسة في باريس، يطلّ على نهر السين، ويميل مع انحناءة النهر. للمرء أن يتخيّل انعكاس الماء والنور على الزجاج اللامع، هذا الرمادي المزرقّ يشعّ كجوهرة معمارية "معاصرة" في مدينة ممتلئة بالتاريخ العريق. ليس هذا فحسب، بل إن المفهوم الذي صممّ وفقه نوفيل المعهد، يعكس إلى حدّ كبير اللقاء بين الثقافتين العربية الفرنسية.
واجهتان اثنتان؛ الواجهة الشمالية مرآة بالمعنى الحرفي للثقافة الغربية، فهي تتجه صوب باريس التاريخية القديمة، وترمز إلى العلاقة معها. المدينة المنعكسة على الزجاج اللامع تندغم مع مبنى اسمه "معهد العالم العربي".
أمّا الواجهة الجنوبية، فلها قصّة أخرى. هي الشهيرة وهي الجميلة، صاحبة المشربيات المعدنية، فقد أراد نوفيل أن يستلهم من العمارة الإسلامية العريقة، فاختار المشربيات. هي في بلادنا من خشب متقاطع مزخرف، ولها وظيفتان: الحفاظ على خصوصية الناس داخلها، وردّ حرارة الشمس وتلطيف الجو. لكن المشربيات الباريسية هنا، من معدن فضّي لامع، لعلّه الفولاذ، أو أي معدن آخر مقوّى. اهتمّ نوفيل على ما يبدو بوظيفتي المشربيات العربية، فحافظ بالطبع على الخصوصية، إلا أن ردّ الشمس الساطعة والحفاظ على حرارة معتدلة، تُرجما في تصميمه إلى العلاقة بين النور والظلّ.
هي حقبة الثمانينيات، حيث بدأت العمارة البيئية بالبزوغ، كذا مزج نوفيل بين المشربيات المعدنية والعدسات. ثمّة حساسات إلكترونية من شأنها، أن "تحس" بضوء أشعة الشمس وتقيسه، فتنفتح وتنغلق على إيقاع النور السماوي. إلا أنها على ما يبدو لم تصمد في التنفيذ. وتمّت برمجتها كي تتغيّر كل ساعة. أتعطلت الأمور بين الشرق والغرب، كما تعطلّت المشربيات المعدنية، فكفّت عن تلطيف الجو؟.
المساهمون