عنّابة السينمائي: "الحَرقة" على استحياء

11 ديسمبر 2015
(لقطة من فيلم "روما ولاّ نتوما")
+ الخط -

لم تكن ثيمة الهجرة غريبةً عن السينما الجزائرية، التي نحت منذ السبعينيات إلى قضايا الناس ويومياتهم، بعد خروجها من دائرة الثورة التحريرية إلى موضوعات أرحب. كان للمخرجين الجزائريين المغتربين، في فرنسا تحديداً، مثل مرزاق علواش ونذير مخناش ورشيد بوشارب وآخرين، اللمسة الأبرز في هذا المجال؛ إذ قدّموا أعمالاً تدور أحداثها بين الجزائر وفرنسا، بحكم اشتغالهم بين الضفّتين.

أفرزت التحوّلات الاجتماعية والسياسية، التي شهدتها الجزائر، منذ التسعينيات، ظاهرة الهجرة غير القانونية، أو ما يسمّيه الجزائريون بـ "الحرقة". كلمةٌ تحيل إلى إحراق الشباب أوراقهم الثبوتية، قبل خوضهم مغامرة ركوب قوارب صغيرة إلى أوروبا.

غير أن السينما الجزائرية، التي عاشت ركوداً طيلة تلك الفترة، لم تواكب الظاهرة. وبعد عودة انتعاشها نهاية ذلك العقد، بدا أن موضوع "العشرية السوداء" كان الأكثر إغراءً، وكان يجب الانتظار إلى سنة 2006؛ حين قدّم المخرج طارق تقيّة فيلمه "روما ولاّ نتوما" الذي يروي قصّة شابين من الجزائر العاصمة يفعلان كلّ ما بوسعهما لتحقيق حلم بلوغ الضفّة الأخرى، بما في ذلك استخراج جوازي سفر مزيّفين.

بعدها، ظهرت سلسلة أعمال تبنّت الموضوع؛ من بينها الروائي القصير "حلم لم يتحقّق" (2007) لـ أحسن تواتي، والذي يروي قصّة خمسة شبّان يفشلون كلّ مرّة في تحقيق حلم "الحرقة". وفي 2009، قدّم مرزاق علواش الروائي الطويل "حرّاقة" الذي تناول قصّة عشرة شبّان يركبون قارب صيد ويبحرون من مدينة مستغانم صوب جزر الكناري. الموضوع نفسه أعاد المخرج موسى حدّاد طرحه في فيلمه "حرّاقة بلوز" (2013)، الذي حاول الحفر في الدوافع النفسية للظاهرة.

لعلّ السينما الجزائرية لم تعكس أهميّة الموضوع وحضوره اليومي والمتواصل على صفحات الصحافة الجزائرية، وهو ما ينطبق أيضاً على المهرجانات السينمائية التي غاب عن عروضها وندواتها النقاشية.

مع عودة "مهرجان عنّابة للفيلم المتوسّطي"، الذي نُظّم مؤخّراً، بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود، كان من الطبيعي أن تُخصّص دورته الأولى لموضوع "الهجرة غير الشرعية"؛ لاعتبارين: صفة "المتوسّطي"، وكون المدينة الساحلية تمثّل نقطة عبور رئيسية لكثير من "الحرّاقة".

لكن، وعكس ما أعلنه المهرجان، مرّ الموضوع على الهامش مجدّداً؛ فتنوّعت قضايا الأفلام المشاركة، ولم يحضر موضوع "الحرقة" إلاّ في وثائقي "الرسل" للفرنسيتين لايتيسيا تيرا وهيلين كروزيلات، والذي نقل شهادات لشبّان عاشوا "رحلة الموت"، إضافةً إلى ندوة صغيرة حضرها عددٌ قليل من المدعوّين تحدّثوا عن "أهمية دور السينما في تعميق النقاش حول الظاهرة".

المساهمون