كريستيل خضر: المسرح وماراثون التحوّلات

01 فبراير 2017
(كريستيل خضر في مسرحية "2007"، تصوير: حسين بيضون)
+ الخط -

عثرت المسرحية اللبنانية كريستيل خضر على شيء منسي يخصّ عائلتها، شيء قديم امتلك معنى جديداً، ربما وجدته في قبو أو خزانة مهجورة، لكنها عثرت فيه على قطعة من الذاكرة، ليس لتاريخ العائلة الصغير فقط، بل إنه سيغدو جزءاً من حكاية أكبر؛ وسيلة لتّتبع 100 عام من ذاكرة الهجرة.

على شريط "الكاسيت" الذي وجدته خضر سجّل أفراد من عائلتها، هاجروا في القرن الماضي إلى السويد، رسالة تعود إلى عام 1976، وعليه تبني الكاتبة عملها المسرحي الجديد مع المخرج السوري وائل علي.

تقول خضر: "وجدت أن الوقت حان لتُروى القصة التي خلف رسالة الكاسيت، عائلتي بدأت مشوار هجرتها منذ 1915، لم يولد أحد منها في مكان وعاش أو انتهى فيه". تنقّل أفراد من عائلة الفنانة بين مدينة وأخرى أو من بلد إلى آخر ثم من قارة إلى قارة، يجعل من سيرة ترحّلهم مثالاً على تاريخ التهجير والهجرة في بلاد الشام خلال قرن.

وعن خيار العمل مع مخرج آخر تقول خضر: "كنت شاهدت عرض علي "ما عم إتذكر" سابقاً، وشعرت أن المشترك بيني وبينه هو الذاكرة والعمل عليها، وإعادة تركيبها، لأسباب مختلفة كإعادة استكشاف الماضي وقراءته أو الخوف من الفقدان أو النسيان. كما أن نقاط التقاطع بين الذاكرة اللبنانية والسورية وعلاقة الاثنتين بالحرب أصبحت أكثر تشابكاً وتعقيداً من السابق".

المسرحية قيد الإنجاز بين لبنان وفرنسا، وفي هذه الأثناء تعمل خضر على مشاريعها الأخرى، وكان آخرها العرض الذي قُدّم في كانون الأول/ديسمبر 2016 المأخوذ عن مسرحية "الفيل ملك الزمان" لـ سعد الله ونوس والذي اشتغتله كمخرجة ومدرّبة مع مجموعة من الشباب السوريين اللاجئين في لبنان.

ليس هذا العرض هو التجربة الأولى لخضر في هذا السياق، فقد سبق وتعاونت مع مؤسسة

"العمل للأمل" وقدّمت عرض "إنجي ويلنجي" المقتبس عن مسرحية "المفتش العام" لغوغول، التي اقترح المشاركون فيها أن تحلّ شخصية أنجلينا جولي محل المفتش العام

قبل التدريب والكتابة المسرحية، إلى جانب المشاركة في عروض فرقة "زقاق" التي هي عضو فيها، كانت كريستيل أتت من "مسرح الحركة" الذي درسته في بروكسل لكنها لم تجد نفسها فيه؛ قدّمت عرضاً واحداً ينتمي إلى هذا النوع بعنوان "بيت بيوت"، وتنقّلت بين بروكسل وباريس ثم عادت إلى بيروت وعادت إلى المسرح بشكله الأقدم، النص والممثّل أو المؤدي أو حتى الراوي.

توضّح "بعد تنفيذ "بيت بيوت" وجدت أن هذا النوع من الكتابة بالنسبة إليّ يفتقر إلى شيء". من هنا، قادها التوق إلى المسرح والكلمات وإلى إدارة حوار أو مونولوغ؛ إلى كتابة عملها المسرحي الأول بعنوان "2007" والذي أخرجته فرح نعمة. في هذا العمل استندت خضر إلى 12 رسالة حب لرجال مختلفين، تقول "الرسائل كلّها عن الحب في الحرب، وكيف يمكن ألا يقلّ الخذلان العاطفي قسوة وتدميراً عن قذيفة، المسرحية عن الهشاشة في حالتي الحب والعنف". 

ليست كريستيل من جيل عاش الحرب الأهلية اللبنانية، لكنه الجيل الشاهد على ما بعدها، والذي عاش في أسر حدّدت مصائرها هذه الأعوام الـ 15. تقول: "في موضوع المسرحية الثانية كانت والدتي هي ملهمتي، كانت نموذجاً للمرأة/الهشة، قبل الحرب وبعدها، فكانت المسرحية مبنية على علاقة أمي بالمدينة والذاكرة، وكل النساء في عمرها (68 عاماً).

وعن بناء علاقة ثابتة مع مدينة متحرّكة، بل شديدة الحركة"، تبيّن "الشوارع تتغيّر في بيروت كل شهر، ورش طيلة الوقت، بناء وهدم لا ينتهي". من هذه التفاصيل، كتبت خضر مسرحية "بيروت سيبيا" في 2012، والتي بنتها على حكايات سبع نساء في أعمار من 19 إلى 70عاماً يعشن في بناية واحدة، وكل واحدة منهن تحاول أن تفهم أين وصلت المدينة في ماراثون التحوّلات

منذ 2012، انهمكت خضر بالعمل مع عروض فرقة "زقاق"، فشاركت في كتابة مشتركة لـ "الموت يأتي من العيون" و"هو الذي رأى" و"مسرح المعركة"، لكن العلاقة الأساسية مع المسرح تبدأ من التأليف، من النص، وقد درجت النصوص المكتوبة بشكل مشترك في السنوات الأخيرة، لا سيما في التجربة اللبنانية، وغاب تقريباً ذلك النص الذي كتبه شخص بمفرده، ويكشف عن تصوّر أدبي ثم مسرحي متكامل

الحنين إلى نص الفرد هذا تترجمه خضر بانشغالها الحالي بتأليف مسرحية "كتيب الحروب الصغيرة" بالتعاون مع مسرح "الرويال كورت" البريطاني، والتي تطمح إلى نشرها، لم تفكر في تمثيلها أو إخراجها، فقط كتابتها وإصدارها في كتاب.

في العمل شخصيتان، وفيه تحفر خضر أكثر في رؤية بدأت مع مسرحية "2007"، أن المرأة والمدينة هما أمر واحد، إذ تقوم المسرحية على علاقة بين رجل وامرأة استمرت عشر سنوات، وحين يقرر الرجل الرحيل إلى الأبد، تجبره المرأة على المكوث بمحاولة إحراق نفسها، ثم تجبره مرة أخرى على تذكّر واستدعاء تاريخ العلاقة بالكامل

وبالعودة مرة أخرى إلى بيروت، شاغلة فنانيها ومسرحييها، تختصر خضر علاقة المدينة بالمسرح بقولها "نحن لا نراكم، ثمة رغبة مستمرة بالتخلّص من الأرشيف، والقطع مع الماضي والبدء من جديد. ومسرح بيروت يشبهها في الهدم والبناء من جديد ثم الهدم... إلخ".

المدينة التي ما زال يعتبرها كثيرون مدينة الثقافة، تفتقر فعلاً إلى المسارح والمهرجانات والتظاهرات "العادلة" إن جاز التعبير، حيث يمكن للكل أن يحضر وأن يجد شيئاً يخصّه، حيث تقتصر تظاهراتها عادة على نوع معين من المسرح أو الفنون، مفاهيمية أو تجريبية أو حتى تجارية، وهي خيارات تقتضي بالضرورة نوعاً معيناً من الجمهور

ورغم أن كريستيل خضر تنتمي إلى جيل جديد في المسرح اللبناني، ينتقد حالة القطيعة المستمرة، إلا أن محاولاته للتأسيس إلى شيء جديد أو كيان يعتقد أنه أكثر وضوحاً وتماسكاً، تجعل الأمر يبدو كما لو أن المسرح اللبناني، مثله مثل أي مسرح عربي آخر، يعيش حالة تأسيس لانهائية من جيل إلى الذي يليه.

خروج على المزاج العام
كثيرة هي تجارب المسرح اللبناني التي كُتبت نصوصها بشكل جماعي، من بينها أعمال ربيع مروة وهشام جابر، وحتى التجارب الأكثر شباباً مثل فرقة "زقاق" (الصورة). توضّح خضر: "في لبنان كتابة المسرح معظم الوقت جماعية، وهذا ليس بجديد، فأغلب مسرحيات عصام محفوظ، ربما لا يعرف كثيرون، كانت كتابة جماعية". من هنا يصبح التفكير في نشر نص مسرحي حنيناً إليه بوصفه أدباً، خروجاً على المزاج العام، تحبّ خضر أن تجربه.

 

دلالات
المساهمون