"ثرثرة فوق النيل": ماذا عن العوّامة المصرية اليوم؟

12 أكتوبر 2019
من غلاف الرواية (طبعة دار الشروق)
+ الخط -

في 1966، صدرت رواية "ثرثرة فوق النيل" للكاتب المصري نجيب محفوظ (1911 - 2006). ومنذ البداية طفت القراءة السياسية على حساب كل تأويل ممكن لها، ثم حدثت "نكسة 67" لتجعل منها أقرب إلى نبوءة، وهو عمل بدا فيه الروائي المصري وقد حاكم بشكل مسبق الوضع الذي أدّى إلى الهزيمة، مبرزاً في الأثناء بأنها ليست هزيمة عسكرية أو سياسية فحسب، بل هي هزيمة مجتمع بأسره.

عرفت الرواية شعبية أكبر مع صدورها في شريط سينمائي عام 1971، من إخراج حسين كامل، وقد أدّى أدواره الرئيسية ممثلون في قمة أمجادهم الفنية مثل عماد حمدي، وسهير رمزي، وأحمد رمزي، وميرفت أمين، وعادل أدهم. غير أن الفيلم كرّس أكثر تلك القراءة السياسية الأولى، وقد بدا لكثيرين أن إنتاجه لم يكن بريئاً، فهو - على تمكّنه من الناحية الفنية - كان ورقة استخدمها نظام السادات في تلميع صورته من خلال التذكير بحال المجتمع المصري قبل الهزيمة.

في مكتبة "أزبكية عمّان"، تجري مساء اليوم مناقشة الرواية، في أمسية تديرها إيمان الخطيب، ضمن تقليد بدأ يظهر في عدة مدن عربية، بتوفير فضاءات لمناقشة كتب تُقرأ بشكل جماعي، لكن يبقى السؤال: هل تمرّ هذه القراءات بعملية الاستقبال الأول للنصوص أم تتحرّر منها وتتجاوزها إلى قراءات تلتفت إلى المتغيرات التي عاشها كل بلد عربي.

في هذا السياق، لعلّنا مع رواية "ثرثرة فوق النيل"، نستحضر شيئاً من واقع البلاد العربية اليوم، وخصوصاً مصر بانسداداتها السياسية والاقتصادية والثقافية، فإذا كان نجيب محفوظ اختار عوامة كفضاء لعمله يجتمع فيه مثقفون حول شخصية مسطول؛ من الموظف إلى الكاتب، مروراً بالطالبة والطبيب، فقد كان بذلك يُنشئ صورة مصغّرة للنخبة المصرية، ويُظهر مواقفها الهروبية مما يحدث حولها. بأصوات هؤلاء أنفسهم، كانت الرواية تحاكم واقعاً نخرته الانتهازية وقلة المبادرة والإيمان بأن لا مخرج. هذه العناصر لا تبدو مخصوصة بمرحلة الستينيات، إنها متلازمة تتكرّر من جيل إلى آخر، ولا تبدو مخرجاتها في كل مرة إيجابية.

المساهمون