حتى لو صرتُ الغابةَ

07 ديسمبر 2015
(فيرناندو بالبيردي)
+ الخط -

البحيرة
هذا الثلجُ الذي تدوسينه
سيُمسي وحلاً
وفي البحيرة سأبصِرُ وجهي
من دونِ وجهك.

مشيتُ على حافَّة
الضفَّة،
أردتُ أن أعبر البحيرة دون أن تبتلَّ قدمَيَّ
وتعثّرتُ كثيراً حتّى
آلمتني يداي.

تحت العُشب حجارةٌ تترقّبُ
تتلقّفُ جِلدي
مثلَ كمين.

لكنّها لا تستأثِرُ به،
فكم هي جميلةٌ الأجسادُ حينما يمسُّها الزمن
وكأنها ليست لنا،
كأنها غابةٌ مُحرّمة.

مُنعكسٌ غريزيٌّ سيبقى أثرُهُ ماثلاً إلى الأبد
لأنّ الأذرُع لن تنسى كلَّ شيء
حتى لو تعاظمتْ حيرتنا.

الأغاني التي تنسينها هي آثارٌ فوق الثلج
وفي أديمِ البحيرات يذوبُ المستقبل.


الغابة

أحدُهم يدخل الغابة أثناء صراخي.
لا أقوى على إيقافه.
لا وجودَ لشيءٍ سوى صوتي
كَسيراً وجباناً للغاية
يعودُ ويتردّد كلَّ ليلة
دون أن أستطيع فِعلَ شيء.

أيُّ شكٍّ كبيرٍ في الغابة هناك،
كثيفةٌ أجماتُها،
خيرٌ لي لو لزمتُ السكون،
حتى لو وقعتِ المصيبةُ ذاتُها كلّ ليلة،
حتى لو صِرتُ الغابةَ وفرَّ أحدُهم هارِباً منّي.


ذئب
داخل هذه القصيدة يعبرُ ذئبٌ
تاركاً آثاره فوق الثلج.

متكتّمٌ وجائعٌ،
يجوبُ مدينةً
نظرتْ بثقةٍ باتجاه المستقبل.

اليوم أغلَقوا مصاريعَ نوافذهم كلِّها.

الوقتُ متأخّر،
حريصٌ ألّا أُثيرَ جلبةً
فأدفعُ بالأسطر لتتوالى مثلما تمضي الأيام
كيما يختار الذئب
درباً يُفضي إلى مكانٍ آخر،
إلى فريسةٍ أضعف.

بيدَ أنَّ في هذه القصيدة ينتظرُ ذئبٌ
جاءَ بحثاً عنّي.
ومهما حاولتُ أن أبقى ساكناً وألّا أُثيرَ جلبةً
فإنّ ذكرىً مّا تقفزُ من بين الكلمات
لِتعوِيَ في وجهي وتفترسني.


فجر
كلّما أشعلَ جبانٌ عودَ ثقابٍ
شعرتُ بوحدةِ ما يفنى
واستطعتُ أن أرى وجهي في مرآة.

ساعتَها أُسائِلُ نفسي أتنبثقُ هذه الصورة
من الضوء الأزرق للكبريت
أم من الظُّلمة.


حلم
اليومَ عُدتِ ونظرتِ إليَّ
بعينيكِ تِلكما عينَي طفولتي
اللتين طالما أحبّتاني كثيراً.

لم يكن في وسعي أن ألمسك.

هكذا هي الأحلام مُعقّدة.

كنتُ أبكي يقيني
إنّ كلّ شيء إلى زوال.

كنتُ أعرفُ النهاية
والعينان اللتان كانتا أمامي
ما ارتعشتا من الخوف آنَ رأتا دموعي.

كانتا تحدّقان إليّ هادئتين،
لم ترتبكا،
تغرزان حنانهما في هَشاشتي
وفي بُعدهما القصيِّ
لم ترغبا في الإطباقِ على وداع.

عيناكِ تلاحقانني،
لا أعلمُ أتُراهما تستقرّان فيّ
أم تريدان أنْ تقولا لي إنَّ الحلم قدِ انتهى.


* Fernando Valverde شاعر إسباني من مواليد غرناطة عام 1980، يُعد من أبرز أسماء جيله الشعري. القصائد من مجموعته "عينا البجعة"

** الترجمة عن الإسبانية كاميران حاج محمود



اقرأ أيضاً:
 لن أعود إلا لحضور جنازتي

المساهمون