أخبار الحمقى والمغفلين [8]

10 نوفمبر 2018
رسم: فؤاد هاشم
+ الخط -

من حمقى القضاة

كان للحجاج قاض بالبصرة من أهل الشام يقال له (أبو حِمْيَر)، وكان يوم الجمعة فمضى يريد أن يُصَلِّيَها، فلقيه رجل من العراق فقال له: يا أبا حمير، أين تذهب؟
قال: إلى الجمعة.
فقال: أما بلغك أن الحجاج قد أخَّرَ الجمعة اليوم؟
فانصرف عائداً إلى بيته!
اسْتُعْمِلَ حيانُ بنُ حسان قاضي فارس على ناحية (كرمان) فخطبهم، فقال:
- يا أهل كرمان، تعرفون أن عثمان بن زياد هو عمي، أخو أمي؟
قالوا: فهو خالك إذن!
تقدم رجلان إلى أبي العطوف قاضي "حران"، فقال أحدهما: أصلح الله القاضي، هذا ذبح ديكاً لي، فخذ بحقي.
فقال لهما القاضي: عليكما بصاحب الشرطة فهو ينظر في الدماء!
سأل المأمون رجلاً من أهل حمص عن قضاتهم. فقال:
- يا أمير المؤمنين إن قاضينا لا يفهم، وإذا فهمَ وَهِمْ.
قال: ويحك كيف هذا؟
قال: قدم عليه رجلان يَدَّعي أحدُهما أن له في عهدة الآخر أربعة وعشرين درهماً، فأقر له الآخر، فقال القاضي: أعطه. فقال الرجل: أصلح الله القاضي، إن لي حماراً أكتسبُ عليه في كل يوم أربعة دراهم، أنفقُ على الحمار درهماً وعلى نفسي درهماً، وأدفع له درهمين، حتى إذا اجتمع ما له أجِدُهُ قد غاب عني، فأُنْفِقُها.. ولا أرى وجهاً للحل إلا أن تحبسه يا سيدي القاضي اثني عشر يوماً حتى أجمع له الدراهم وأنقده إياها. فحبس القاضي صاحب الحق حتى جمع ماله. فضحك المأمون وعزله.

وكان ثمامة بن أنس قاضياً بالبصرة، واشتكت إليه امرأة على رجل أودعته شيئاً، ولم يكن لها بينة، فأراد استحلافه لها.
قالت المرأة: ولكنه رجل سوء، يمكن أن يحلف كاذباً ويضيع حقي. ما رأيك أن تستحلف جاره إسحق بن سويد؟
فأرسل القاضي إلى إسحاق واستحلفه!

دخل أحدهم مدينة "تاهرت" بالجزائر، فإذا فيها قاض من أهلها. وكان أحد الرجال قد جنى جناية ليس لها في كتاب الله حَدٌّ منصوص، ولا في كتب السنة، فأحضر الفقهاء وقال لهم: إن هذا الرجل جنى جناية وليس لها في كتاب الله حكم معروف، فماذا ترون؟
فقالوا بأجمعهم: الأمر لك.
قال: فإني رأيت أن أضرب المصحف الشريف بعضه ببعض ثلاث مرات، ثم أفتح، وما خرج لي من شيء عملت به.
قالوا: وفقت.
ففعل بالمصحف الشريف ما ذكره، ثم فتح فخرج له قول الله تعالى (سَنَسِمُهُ على الخُرْطُوم- سورة القلم الآية 16). فقطع أنف الرجل، وخلى سبيله!

فصل: في ذكر المغفلين من الكتاب والحجاب

كان في أنطاكية عامل من حلب، وكان له كاتب أحمق. وذات يوم غرق مركبان (شلنديتان) من مراكب المسلمين، فكتب ذلك الكاتب بالنيابة عن صاحبه، إلى العامل بحلب بخبرهما قائلاً:
بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم أيها الأمير أعزه الله تعالى أن شلنديتين، أعني مركبين، قد صفقا في جانب من البحر، أي غرقا، من شدة أمواجه، فهلك من فيهما، أي تَلِفُوا.
فكتب إليه أمير حلب:
بسم الله الرحمن الرحيم، ورد كتابُك، أي وصل،.. وفهمناه، أي قرأناه،.. أدِّبْ كاتبَك، أي اصفعه،.. واستبدل به، أي اعزله،.. فإنه مائق، أي أحمق،.. والسلام، أي انقضى الكتاب!

ضاق صدرُ "سهل بن بشر" الكاتب إذ رأى غراباً أبقع ينعق على حائط صحن الدار، فقال: هاتوا البواب.
فجيء به.
فقال: لمَ تركتَ هذا الغراب يصيح هنا؟
فقال البواب: أيها الأستاذ، أي ذنب لي؟ أنا أحفظ الباب، وليس هذا ممن يدخل من الباب، فكيف أستطيع أن أمنعه من الصياح؟
فقال: قفاه.
فما زال يُصْفَعُ على قفاه صفعاً عنيفاً حتى جاء عبد الله بن محمد الصوري وشفع له.

عن أبي علي النميري قال: تراءينا هلالَ شوال، فأتينا القاضي سوار بنَ عبد الله لنشهد عنده بثبوت عيد الفطر، فقال حاجبُه:
- أنتم مجانين، الأمير لم يختضب بعد (أي لم يصبغ شعره) ولم يتهيأ، ولئن وقعت عينُه عليكم ليضربنكم مئتين، هيا انصرفوا.
فانصرفنا وصام الناس يوم الفطر!!

سئل عبد الله بن مسعود القاضي: أتجيز شهادة العفيف التقيِّ الأحمق؟
قال: لا، وسأريكم البرهان. ادعُ يا غلام أبا الورد حاجبي. (وكان أحمق).
فلما أتاه قال: اخرج فانظر ما الريح.
فخرج ثم رجع فقال: الريح شمالٌ يشوبُها جنوب!
قال: فكيف ترون؟ أتروني أجيز شهادة مثل هذا؟

عن أبي أحمد الحارثي، قال: كنت أعاشرُ أحدَ كتاب الديلم، فسمعته مرة يحلف ويقول: والله الذي لا إله إلا هو، أعني به الطلاق والعتاق.
قال: وكتب مرة، بحضوري، تذكرةً بالأضاحي التي يريد تفريقها في دار صاحبه بمناسبة عيد الأضحى، ما يأتي: القائد ثور، امرأته بقرة، ابنه كبش، ابنته نعجة، الكاتب تيس!
فقلت: يا سيدي، الروح الأمين ألقى إليك هذا.
فلم يدر ما خاطبته به.
وكتب إلى أحد أصدقائه: كتبتُ إليك هذه الكلمات يا سيدي وربي، أعني به قميصي من منزلك الذي أنا أسكنه، وقد نفضت الدم من قفاك المرسوم بي، وحق رأسك الذي أحبَّه عبدي من نبيذك الذي تشربه شيء.. فوجه إليَّ خطابك على يدي هذا الرسول فإنه ثقة، أوثق مني ومنك!

وقال أحد قواد الديلم: (كاتبي) أحذق الناس بأمر الدواب والضياع وشراء الأمتعة، وما فيه عيب إلا أنه لا يقرأ ولا يكتب!!

نابت الحجاج مصيبة في صديق له، وكان عنده رسول لأمير المؤمنين عبد الملك، فقال: ليت إنساناً يسليني بأبيات.
قال الشامي: أقول؟
قال: قل.
فقال: وكل خليل سوف يفارق خليله، يموت، أو يصاب، أو يقع من فوق البيت، أو يقع البيت عليه، أو يقع في بئر، أو يكون شيئاً لا نعرفه!
قال الحجاج: قد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها، وهي مصيبتي بأمير المؤمنين إذ وجه مثلك إليَّ رسولا.

وجه قدامةُ بن زيد غلاماً له إلى (قطربل) لكي يبتاع له شراباً. وأركبه حماراً. فمضى الغلام وابتاع له الشراب، فلما صار إلى باب قطربل عارضه صاحبُ المصلحة فضربه وأراق ما معه من شراب وحبسه، فبلغ الخبر قدامة فكتب إلى صاحب المصلحة: بسم الله الرحمن الرحيم، جُعِلْتُ فداك برحمته فإن صاحب مصلحتين قطربل، قويا على غلام لي، فضرباه خمسين رطلاً من تقطيع الزَّكْرة، فرأيُك- أعزك الله- في إطلاق سراح الحمار مصابٌ إن شاء الله عز وجل.

وكتب أحدهم إلى الطبيب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويلك يا يوحنا، وأمتعْ بك، قد شربتُ الدواء خمسين مقعداً، والمغص والتقطيع يفتلُ بطني والعينين والرأس، فلا تتأخر باحتباسك عني، فسوف تعلم أني سأموت، وتبقى أنت بلا أنا، فعلتَ موفقاً، إن شاء الله تعالى.

وكتب أحدهم إلى صديق له: بسم الله الرحمن الرحيم، جعلني الله فداءك، لولا علةٌ نسيتُها لسرت إليك حتى أعرفك بنفسي والسلام!

وكتب المتوكل إلى محمد بن عبد الله يطلب منه فهداً. فكتب إليه محمد في الجواب: نجوتَ عند مقام لا إله إلا الله، وصلى الله على سيدنا محمد، فديتُه إن كان عندي مما طلبتَه وزن دانق، لا فهد ولا نمر، فلا تظن يا سيدي أني أبخل عليك بالقليل.

وكتب رجل من البصرة إلى أبيه: كتبتُ إليك يا أبتِ، نحن كما يسرُّك الله، عونه وقوته، لم يحدث علينا بعدك إلا كل خير، إلا أن حائطاً لنا وقع على أمي وأخي الصغير وأختي والجارية والحمار والديك والشاة.. ولم يفلت أحد غيري.
وكتب بعضُ ولد الملوك إلى بعض:
- استوهبَ اللهُ المكارهَ فيك برحمته، أنا وحق جدي رسول الله (الذي لا إله إلا هو!)، أحبك أشد من جدي المتوكل، فقد بلغني أنه جاءك من النبيذ شيء كثيرٌ، كثيرٌ شطراً، وأنا أحبه شديد، شديد شطراً آخر، وبحياتي عليك ألا بعثتَ إليّ (دستجةً)، أو خمس دبات، أو ستة، أو سبعة، أو أكثر جياد بالغة، وإلا فثلاث خماسيات، ولا تردني فأحرد، موفقاً إن شاء الله.

دلالات
المساهمون