عاصم الباشا: نحت المأساة السورية

12 أكتوبر 2014
"مظاهرة" / من أعمال المعرض
+ الخط -

في معرضه المقام حالياً في غاليري أوروبيا في باريس يقدم التشكيلي السوري عصام الباشا مجموعة من أعمال النحت المعدنية، بالإضافة لرسوم على الخزف. أنتج أغلبها في العام 2012 وموضوعها الأساسي الراهن السوري.

اتجاه النحت في هذا المعرض، وإن تقاطع مع الرسم الخزفي من حيث الموضوعة، فإنه لا يشبهه من حيث الروح، فالنحت يعتمد، على التأليف، بواسطة اللحام المعدني، بين قطع معدنية متنوعة ذات أشكال هندسية على الأغلب تمثل أشخاص في وضعية وقوف كما في "سيدة القلمون"، "إمرأة حامل" و"رجل" (يوم مقتل نمير)، حيث يقف الشكل في وضعية ثبات، مختلفة عن باقي التماثيل، معلنة حالةً من التحدي والمقاومة.

العمل تكريم لنمير الأخ الأصغر لعاصم والذي اعتقلته الأجهزة الأمنية بتهمة مساعدة النازحين من حمص ليخرج، بعد ثمانية أشهر، جثة هامدة. عن هذه المنحوتة يقول الباشا "كنت أعمل عليها عندما جاءني خبر موت نمير، لاحقاً قمت بتكبير العمل كبّرته بالفعل بارتفاع ثلاثة أمتار تحية لذكراه وعرض العمل في مدريد وقرطبة، ويقف الآن أمام مشغلي الغرناطي" .

أحياناً يتوسع العمل ليشمل ثلاث شخصيات في تمثال واحد ففي "مظاهرة" نشاهد ثلاثة تكوينات على هيئة إنسان في حالة من الرقص تحاكي حالة المظاهرة السلمية بداية الإنتفاضة السورية. اللافت في أعمال الباشا الهيئة الخشنة التي يصر عليها الفنان، فهو لا يلجأ إلى صقل السطح بل يتركه كما هو.

أما أعمال الرسم فقد اختار الباشا الرسم بأكسيد النحاس على خزف مربع الشكل أغلب الأحيان. اصطفاف المربعات إلى جانب بعضها البعض يحيلها إلى فكرة النافذة، نوافذ تطل على المأساة السورية وهذا ما تؤكده عناوين الأعمال كما في "مشهد سوري" حيث الأب يحمل ابنه القتيل أو "الطريق إلى بابا عمرو" التي تبرز هيئات بشرية مبهمة مرفوعة على صلبان. في عمل "النازحون" نستطيع أن نميز، ضمن الحشد، وجه الفنان وكأنه يريد أن يتورط أكثر في التراجيديا السورية.

وعلى العكس من أعمال المعدن فخطوط الرسم عفوية وسريعة تحمل شحنة إنفعالية واضحة وتتقاطع، من حيث الإتجاه مع منحوتات الباشا من الصلصال المشوي الذي غاب عن المعرض.

لم يتوقع النحات السوري عاصم الباشا، كمعظم السوريين، أن الحراك الذي استحال ثورة سيتطور إلى حرب طاحنة تغيّر مسارات الناس ومنهم هو نفسه. كان قد اتخذ قراره بالعودة من غرناطة "منفاه الاختياري" - على حد تعبيره - إلى بلدته يبرود في السابع من آذار/ مارس أي قبل بداية الاحتجاحات، حيث أسس محترفه هناك واستجلب حصيلة ما يقارب الأربعين سنة من العمل. كانت النية إنشاء مؤسسة ثقافية هناك بالتعاون مع نشطاء فيها. أجبرته الظروف وتصاعد العنف إلى العودة إلى غرناطة لتسقط بعدها البلدة وتنهب بما فيها ومن ضمن ذلك مشغله.

فقد الباشا ما عمله خلال أربعة عقود "هو تفصيل كفيل للدعوة إلى الانتحار لكنني ما زلت أعمل" يعلّق الباشا. الدليل أعماله المعروضة حتى السابع عشر من الشهر الحالي في غاليري أوروبيا الباريسي.

دلالات
المساهمون