حين اعتبر الطاهر بن جلون أن "اللغة العربية عاجزةٌ عن استيعاب الحرية التي تُوجد في لغات أخرى"، وكان يعني الفرنسية تحديداً، لم تمرّ تصريحاته مرور الكرام؛ إذ لقيَ كمّاً كبيراً من الردود التي أثبتت جهله بلغة الضاد.
ومُؤخّراً، عاد الكاتب المغربي الحائز على "غونكور" سنة 1987، وعضو لجنة تحكيمها، في مقال بعنوان "بُخَلاء"، نشره في صحيفة "رقم واحد" الأسبوعية الفرنسية، الأربعاء الماضي، ليرثي حال الفرنكوفونية اليوم.
في وقت لا يُبدي الخبراء واللسانيون الفرنسيون أيّ جزع على مستقبل هذه اللغة التي يقولون إنها ستكون حاضرة في الخمسين سنة القادمة، بين مجموعة صغيرة من اللغات العالمية، بل وستتجاوز اللغة الإسبانية، رغم دينامية هذه الأخيرة، لا يمنع بن جلون نفسَه من رسم مستقبل مأساوي للغة التي يكتب ويعبّر بها.
ينتقد صاحب كتاب "العنصرية، كما فسّرتُها لابنتي" أصحاب القرار السياسي، أي الحكومات الفرنسية المتعاقبة، في العقود الأخيرة، التي يقول إنها تبذل قصارى جهودها وطاقتها لبيع السلاح، بينما تُبدي السخط حين يتعلّق الأمر بميزانيات مؤسّساتها الثقافية في العالَم، ويتأسّف لأن هذه المؤسسات لا تمتلك الوسائل التي تساعدها على أداء مهمّتها.
يكتب بن جلون راسماً واقع اللغة الفرنسية في العالم "لا أحد يتحدّث الفرنسية، في فيتنام، باستثناء المسنّين، أو اليافعين الذين يتلقّون دروساً في المعاهد الفرنسية. وفي الولايات المتحدة، ومنذ رحيل آلان روب غرييه وميشيل فوكو وجاك دريدا، الذين كانوا يُدعَون، بشكل مستمر، من قبل الجامعات الأميركية، لا يُنظَر إلى فرنسا، اليومَ، إلاّ باعتبارها بلد الـ 365 صنفاً من الأجبان، في حين أن الناشرين يترجمون الكُتّاب الفرنسيين بدرجة أقل".
وكمن يمنح نصيحة لأصحاب القرار السياسي والثقافي الفرنسيين، يقول "إن المراهنة على حضور ثقافي قوي ومتنوّع هي الوسيلةُ الأفضلُ لتعزيز صورة هذا البلد وخياراته في السياسة الخارجية".
يضيف: "تساهم أفريقيا وبلدان المغرب العربي في انتشار اللغات الفرنسية. وهنا أيضا يتوجّب على المؤسّسات أن تشتغل بميزانيات ضعيفة، بل وغير كافية. أعرف أن المؤسّسات الفرنسية في المغرب تعرف ظروفاً أفضل. ولكن الطلب مهم. وبعض العائلات المغربية تبذل المستحيل من أجل تسجيل أبنائها في المدارس الفرنسية".
في خاتمة مقاله، يصل إلى أن "فرنسا في حاجة إلى مراجعة سياستها الخارجية. وعليها أن تمنح الأولوية لنشر إبداعاتها الثقافية، وهو ما يفعله الألمان والإسبان، أكثر فأكثر. ولا يمكن الاستمرار في المراهنة على الفرنكوفونية السياسية، فمنظّمة قمم رؤساء الدول الفرنكوفونية هي تبذيرٌ فضائحي للأموال، وتجاهُل توسُّعِ وتطوير اللغة الفرنسية، التي هي مَصدرُ وطاقةُ العبقرية الفرنسية، كما رسمها هوغو وفولتير".