تؤكد قراءة النتاج الأدبي السوري في العام الذي ينقضي، أن الأدب ينتصر للحرية والقيم الإنسانية. إذ تنتمي معظم الإبداعات السورية (ثمة إحصاءات تشير إلى العشرات من الروايات والمجموعات القصصية والشعرية) إلى جبهة المعارضة.
هذا هو التحدي الذي سوف تشهده الساحة السورية. فإذا كان الساسة يعلنون النصر العسكري، فمن الصعب أن يجدوا ملاذاً في أي رواية، أو قصة، أو قصيدة.
تفتتح رواية نبيل سليمان "ليل العالم" سنتنا التي توشك على الانقضاء. حيث نشرت في الشهر الأول منها. وفي هذه الرواية يتتبع نبيل سليمان مصائر شخصياته في المدينة التي يعرفها جيداً "الرقة" السورية، حيث أنشأ "داعش" دولته، وحيث تم إعدام، أو خنق، بطلته هفاف العايد.
تختلط في الرواية الكوابيس بالواقع. يشير الانتقال شبه الدائم في المشاهد الروائية، بين الكابوس والوقائع، إلى هذا العالم "الجديد" الطارئ الذي يقدم لنا أحداثا تكاد لا تصدق في المدن التي نعرفها، ومن قبل البشر الذين كانوا زملاء وأصدقاء لنا منذ بضعة أيام.
ولا تبتعد رواية خالد خليفة "الموت عمل شاق" كثيراً عن عالم الكابوس، إذ سوف تكون الرحلة العجائبية التي ينقل فيها أبناء عبد اللطيف السالم، حسن وبلبل وفاطمة، جثمانه من دمشق إلى قريته العنابية، تلبية لوصيته، مناسبة روائية لتقديم أجزاء من المشهد اليومي السوري، الذي عم فيه الموت الجسدي والمعنوي، المساحات الجغرافية، والنفسية، والسلوكية في حياة السوريين.
وتعود روزا ياسين حسن في روايتها "الذين مسّهم السحر" إلى الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية، وتعتمد في نصها الروائي تقنية الأصوات الروائية التي تسعى من خلالها إلى تحقيق أمرين: الأول هو تعدد وجهات النظر، حيث بدأت رؤى وتطلعات السوريين، وآراؤهم الاجتماعية والسياسية تتبلور في حزم من الأهداف.
والثاني هو حرية القول المختلف، حيث تتباين مواقع الراوي في النص، تبعاً لما يراه كل واحد من الشخصيات. وقد يكون في وسعنا، إذا ما دخلنا إلى العمق غير المرئي من النص، أن نعثر في هذه التقنية الروائية، على دعوة موازية لشعارات السوريين المبكرة، إلى التعددية السياسية، وحرية التعبير.
وفي روايتها " مترو حلب" تلجأ مها حسن إلى تقنية القص داخل القص. فسارة التي تأتي من حلب إلى باريس، لزيارة خالتها أمينة المشرفة على الموت، سوف تكون قادرة على تقديم الحكاية السورية من بابين: الأول هو قصتها هي شخصياً، والثاني هو رواية الخالة أمينة التي جاءت إلى باريس منذ زمن بعيد، وعاشت، وعملت فيها.
أما سارة فهي قادمة من جحيم حلب التي تفتك بها الطائرات الحربية، حيث الخوف والموت. غير أن حلب المدينة ليست مجرد خلفية للحدث، بل هي الحدث نفسه هذه المرة، سواء بالنسبة لسارة، أو لأمينة خالتها. وكما تقول سارة في الرواية: "مكاننا الأول هو حلب التي نستند إليها في تعريف كل ما يأتي بعدها".
ولهذا فإن إرادة الحياة، المتمثلة في المدينة هي التي سوف تنتصر في النهاية، حين تقرر سارة العودة إلى حلب بعد موت خالتها.