في الطريق التي أحملها

30 سبتمبر 2016
منذر جوابرة/ فلسطين
+ الخط -

1
هل أنا مَنْ كانتْ تمشي قبلَ قليل
مَنْ قطَعَتْ كلّ تلك الطرقاتِ في نهار المدينة؟
هل أنا من عادتْ إلى البيت؟
مَن فَتحت الباب
مَنْ علّقتْ رنين المفاتيحِ على الجدار
مَن صادفتْ وجهها في المرآةِ، وهي تُلْقي الحقيبةَ
قاطِعَةً التَخاطُرَ الصامتَ بين الحائط المقابلِ والمرآة؟
مَن هي إذنْ تلك الجالسةُ هناك
على المقعدِ الغائرِ في الظلِّ
إلى طاولةٍ من خشبٍ في كامل صمتهِ
وتكتبُ عن انمحاء الطرقات.


2
في الطريق التي تحملني
طريقٌ أحمِلها
في سيْرِها تأتأةٌ
تقعُ في سَمْعِ الحصى
كلّما أصغى لحديث خُطايَ مع المسافات
وتُحني كتفَ الأفق قليلاً
لتبحثَ تحت كلامي عن شيء ضيّعَتْه مثلاً
أو لِتبْصرَ ظلّها يصيحُ في فم الظلال
للطريق التي تحملني عينان لا عُمْرَ لهما
وللطريق التي أحملها
عينٌ من صدى.


3
ما إن ينقضي الليل
حتى يعود الضوءُ في هيئةِ صباح
شيءٌ ما في الصباح يفتحُ النوافذ
يدخل الوقتُ في هيئة نهارٍ وهواء
ثمّ، بقليلٍ من رائحة المنزلِ وأصواتِهِ
كاصْطِفاقِ الأبوابِ مثلاً
بقليلٍ من الغبار القابع في رُكود الأشياء
بقليلٍ مما يُفعَلُ ويقالُ تكراراً
يصيرُ النّهارُ شيئاً من أشياء المنزل
كالمقاعدِ
أو السّقفِ
كَوِقفةِ النافذةِ خلفَ خَفْقِ الستارةِ
كالرّفوفِ وما يُنسى فوقها
وكالغبارِ
أحياناً.


4
كأثرٍ ليَدٍ لوّحَتْ في الهواءِ قليلاً
تلك الكلمات القليلة
أنا لم أعدْ أسمَعُ الكلماتِ
ولا أرى اليدَ التي لوّحَتْ
لكنّني أرى الأثرَ الماثلَ في الهواء


5
في كلماتهِ القليلةِ
أبحثُ عن قطرة ماءٍ
عَلِقَتْ بسَقفِ إحدى الكلمات
أبحثُ في قطرة الماءِ عن نهر
أبحثُ في النّهرِ
عن كأسي التي أضعْتُها منذ سنين
أُلَمْلمُ الرؤى التي أحاطت السّرابَ منذ الأزل
أُشاهدها تلوي عُنقَ السِنين
وتُعَبئُ النّهرَ في كأسي
أشاهد الكون
يتبادلُ الدّورَ
مع الكأس التي شَربْتُها للتّو.


6
الحكايةُ التي علّقتُها في سَقْف السماءِ
لتشْربَ السماءَ كلّها
أعادَتها السماءُ ضامرةً إلى سقفي
أعادها السقفُ إلى عينيّ
ودون عناءٍ
نزَلَتْ من عينيّ إلى قلب الطريق
وكعادتها تسيرُ الطريقُ بين أقدام العابرين
لا تشكو ثِقَلاً مُباغِتاً في الرّيح، مثلاً
ولا تحديقاً مختلفاً
تُرسِلهُ عيونُ السماء.


* شاعرة فلسطينية أردنية



المساهمون