الكتاب المكوّن من خمسة وعشرين فصلاً، موزعةً على أربعة أقسام، إضافة إلى ملحق وقائمة بالمصادر؛ ينصبّ اهتمام أول جزئين منه على فلاحي سوریا، في محاولة لإبراز العناصر المهمة في تمايزهم الاجتماعي، وتطوّر نمط حیاتهم وظروفهم الاقتصادیة وأشكال وعيهم وسلوكهم، وذلك من أجل فهمٍ أفضل للعقیدة البعثية التي شكّلت عباءة لتشكیلة من القوى ذات المواهب والأطر الذهنیة المختلفة التي سيقف عندها الجزء الثالث وقفة مطولة.
إنها محاولة لفهم الممسكين بروافع السلطة الحاسمة في سوريا منذ عام 1963، والذین تعود جذورهم إلى المجتمع الریفي الذي تشكّلوا، إلى حد بعید، تحت تأثیر تجربته التاريخية. أما الأجزاء الباقیة من الكتاب فتركّز على حافظ الأسد، وتبحث في خصائص نظامه والخطوط الرئيسة لسلوكه.
يضع حنا بطاطو للفصل الرابع والعشرين من الكتاب عنواناً طويلاً هو: "دراسة معمقة لعلاقات حافظ الأسد مع حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بين عامي 1966 و1997 والضوء الذي تلقيه على أهدافه وأساليبه". وتقول الفقرة الأولى من هذا الفصل: "لم يكن اختيار علاقات حافظ الأسد مع حركة فتح، أي مع الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية، موضوعاً للبحث والتقصي الموسعين ناجماً فقط عن أهمية هذه العلاقات أو بسبب ارتباط تاريخ حركة فتح خلال عدة مراحل بتاريخ جارَي سوريا الصغيرين، أي لبنان والأردن. ولكنه نجم أيضاً عن تمكن مؤلف هذا الكتاب من الاطلاع على ملفات منظمة التحرير الفلسطينية الخاصة بعلاقاتها مع النظام السوري، والفرصة التي أتيحت له في مناقشة القضايا ذات الصلة مع عدد من كبار قادة حركة فتح.
ويجدر التوكيد هنا على أن مراجع منظمة التحرير الفلسطينية، على الرغم من كبير نفعها، لا يمكن أن تشكل بذاتها أساساً كافياً لتقويم نقدي سليم لأفعال حافظ الأسد وسياساته. فذلك يتطلب المتح من معين سجلات الوثائق السورية الداخلية التي يتعذر، طبعاً، الوصول إليها. وموطن الأمل هنا هو أن تنجح هذه الدراسة المفصلة في تسليط المزيد من الضوء على جوانب شخصية حافظ الأسد ونهجه والأساليب التي يميل إلى اتباعها سعياً إلى تحقيق أهدافه".
ويشي ما سبق كله بمنهج هذا المؤرخ الذي لا يتوانى عن الإطالة في العنوان، مهما بلغ في سعيه لتوضيح غرضه من الفصل الذي يكتبه، ويحجم عن إطلاق الأحكام النهائية ما لم يطّلع على كافة الوثائق التي يحتاج إليها من كافة الأطراف. أما بقية جوانب منهجه المادي التاريخي فيكتشفها القارئ في كل فصل من فصول الكتاب الذي تمسّك صاحبه بمنهج يقول بضرورة الإحاطة بجميع جوانب العلاقات الجدلية بين مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في حقبة ما لكي نتمكن من فهم حركة التاريخ في تلك الحقبة.
حنّا بطاطو مؤرخ فلسطيني مختص في تاريخ المشرق العربي الحديث، ولد في القدس وعاش فيها حتى عام 1948، حين هاجر إلى الولايات المتحدة. شُغل بالتأريخ والبحث الاجتماعي السياسي لعدد من البلدان العربية، من أبرز أعماله: "الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق".