أدوار البطولة

02 اغسطس 2019
خالد حافظ/ مصر
+ الخط -

لا تكتفي الولايات المتحدة بقوتها العسكرية وترسانتها النووية في المواجهة بينها وبين الاتحاد السوفييتي فاخترعت كثيراً من الأبطال في سياق الثقافة من سوبرمان إلى جيمس بوند إلى الرجل الوطواط والرجل العنكبوت والمرأة القطة، إلى بطل المصارعة روكي، ولا تزال تبتكر كل بضعة أشهر بطلاً خارقاً جديداً يخوض معركتها من أجل "الوجود والنصر"، ولكي تستطيع الاستمرار في خلق الأبطال فإنها تزيد عدد الأعداء، بمن فيهم رجال الكواكب الأخرى الذين يفترض أنهم يريدون تدمير الأرض التي يدافع عنها أبطال أميركا.

وبفضل حضورها التقني العالي المستوى، فإن البطل الأميركي يكاد يسيطر على جميع المحطات التي تبث الأفلام، ويحقق بذلك صورته في أذهان الأطفال والفتيان والكبار معاً. واللافت أن تكاثر هؤلاء الأبطال يُظهر حاجة السياسة له أكثر مما يقدّم صورة التحدي التي أرادتها.

أما السوفييت فأقصى ما قدموه هو البطل المحارب، أي ذلك الذي خاض المعارك ضد النازيين الذين حاولوا تدمير وطنهم، ونشروا السلسلة المعروفة باسم "مقاتلون في سبيل وطنهم السوفييتي" وفيها تمجَّد البطولة العسكرية والأخلاقية للمقاتل السوفييتي. ولكن تلك الروايات التي عُمّمت في بلادنا إبان الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، كانت ضعيفة في حبكتها الروائية وفي بنائها الفني الذي استهدف الدعاية للفكرة أكثر من الشغل على النص الروائي. ولهذا السبب فقد مات أولئك الأبطال بموت "القضية" في الزمن.

وفي الرواية العربية يمكن اعتبار حنا مينة الروائي الأبرز الذي مجّد البطولة الفردية، وقدّم صوراً عديدة في رواياته عن البطل الخارق القوي الأخلاقي، غير أنه لم يستطع التنويع في صورة البطل، فلازمه التكرار في رواياته من "الشراع والعاصفة" إلى "الياطر" إلى "حكاية بحار".

وأكثر الصور قوة وتعبيراً عن البطل تظهر في قصيدة إبراهيم طوقان حين قال: "هو بالباب واقفْ/ والردى منه خائفْ/ صامت لو تكلَّما/ لفظَ النارَ والدما"، على الرغم من أنه يأتي إلى قصيدة طوقان بوصفه حاجة وطنية في لحظة التاريخ الفاصلة. ولكن هذا البطل ظل مجهولاً، بلا اسم، ولم يصبح قائداً، بل فدائياً، وهي التفاتة جديدة تلغي جزءاً من البطولة التقليدية التي تتضمّن بقاء البطل حياً كي يتمكن من قيادة شعبه إلى الخلاص المرتقب.

يعزو العموم في العالم العربي فشل الثورات العربية إلى غياب البطل القادر على توحيد الجهود. ولكنهم يتغافلون عن أن البطل لا يصنع التاريخ، بل إن التاريخ أو الواقع هو الذي يخلقه. على أننا يمكن أن نجد العذر لكل من يبحث عن بطل، حين يجد أن أحلامه وآماله قد ضاعت بين أيدي أشخاص يفتقرون لأي قدر من البطولة الفكرية أو الأخلاقية أو الجسدية.

وفي الغالب فإن الحكايات في الداخل المهزوم هذه الأيام تبحث بقوة عن بديل ربما يكون قادراً على استرداد الحقوق الضائعة، أو الثأر للكرامة المهدورة. بينما لم يظهر بعد لا في الشعر ولا في المسرح ولا في الرواية والقصة بعد مثل هذا البطل الذي يمكن أن يكون تعويضاً ما عن الآمال المهدورة.

المساهمون