الخليج 2017: عام الحصار والتطبيع

06 يناير 2018
(عمل لـ لولو إم، من معرض "الفن المعاصر-قطر"، برلين)
+ الخط -

بدت الثقافة أحد أبرز الميادين التي انعكست عليها آثار الأزمة الخليجية، التي يمكن المجازفة بالقول إنها جاءت لتنهي منظومة سياسية اقتصادية أنشئت عام 1980، إثر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية أو تغيّرها جذرياً على أقل تقدير؛ ولينسحب ذلك على المشهد العربي، والثقافي منه، نظراً لانتقال التأثير من الحواضر التقليدية في القاهرة وبغداد ودمشق إلى المراكز الجديدة في الخليج.

بدأت مظاهر الانتقال تظهر للعلن مع المشاريع التي رعتها الكويت منذ السبعينيات، وكان من أبرز ما يميّزها توجّهها إلى العالم العربي، ومحاولة تلمّس قضاياه الراهنة، وفي مقدّمتها فلسطين والتنمية والتكامل بين بلدانه، وهي مظاهر تراجعت نتيجة ظروف عديدة بعد عام 1990.

طوال الأعوام الماضية وصولاً إلى 2017، بدأت ملامح مشهد جديد (والثقافة في صلبه)، في بعض البلدان الخليجية التي أصبحت تبتعد أكثر عن ثوابتَ كان يعتقد أن هناك توافقاً حولها، إذ اختتم العام الماضي بزيارة وفد بحريني ضمّ شخصيات دينية وشعبية في سابقة من نوعها إلى الكيان الصهيوني، كما تم الإعلان عن أن سفر المواطنين البحرينيين إليه بات مسموحاً به.

الأمر تكرّر مع استقبال الإمارات لوفود رياضية وسياسية وتجارية إسرائيلية. وفي السعودية كتب مثقفون عن رفضهم دعوات التطبيع من قبل سياسيين وكتّاب مقرّبين من النظام.

مقابل هذه السياسات، التي لم تنكرها الأطر الرسمية في تلك البلدان، أصدر "اتحاد كتاب وأدباء الإمارات" في حزيران/ يونيو الماضي تعميماً ينصّ على "مقاطعة أي جهة قطرية أفراداً ومؤسسات، ومنع إجراء أي نوع من أنواع المشاركة في أي فعالية قطرية أو تابعة لها أو ممولة منها"، في ظلّ حصار ثقافي تفرضه الرياض وأبوظبي والمنامة على الدوحة منذ أشهر، كجزء من حصار عام للتضييق على استقلالية الاختيارات السياسية لقطر.

في الوقت نفسه، تواصل السلطات الإماراتية اعتقال الكاتب الأردني الفلسطيني، تيسير النجار، منذ نهاية عام 2015، بعد أن أصدرت حكماً عليه هذا العام بعد إدانته بـ"إهانة رموز الدولة"، تضمّن السجن ثلاث سنوات، وتغريمه بـ 500 ألف درهم (نحو 140 ألف دولار)، وإبعاده عن الإمارات، ولم ينته العام إلا بترحيل الشاعر الموريتاني عبد الله ولد بونا عن أراضيها على متن طائرة وتسليمه للأمن في بلده، حيث لا يزال مصيره مجهولاً.

في الدوحة، لا يبدو "الحصار" مؤثراً بشكل لافت، إذ استمرت الحياة الثقافية كالمعتاد، وكان من الصعب تلمّس تأثيره على فعاليات مثل المعارض الفنية والجوائز المختلفة، إذ أقيمت الدورة الثامنة والعشرون من "معرض الدوحة الدولي للكتاب" ببرنامج ثقافي ضمّ ندوات حول "شروط الاستقلال المعرفي"، و"لقاء الحضارات"، و"حقوق الإنسان"، و"أهمية القراءة واتجاهاتها"، و"النهج المتوازن لفهم القراءة والكتابة".

كما واصل منظمو "جائزة كتارا للرواية العربية"، في دورتها الثالثة، الالتزام بالمعايير التي وضعت عند تأسيسها، حيث لم يُعلن عن لوائح المتنافسين ولم تظهر لوائح القوائم الطويلة والقصيرة، كما لا تكشف أسماء لجنة التحكيم إلا لحظات قبل الإعلان عن النتائج، خلافاً لجوائز عربية أخرى جرى تسريب نتائجها قبل الإعلان الرسمي عنها، مما يجعلها مثار جدل كلّ عام. إلا أن ما يؤخذ على "كتارا" هو المستوى الفني للروايات الفائزة.

وواصلت "المؤسسة العامة للحي الثقافي/ كتارا" تنفيذ برنامجها السنوي، الذي ضم مهرجاناً للعود وآخر للجاز، وثالثاً للتصوير الفوتوغرافي، ورابعاً بعنوان "التنوغ الثقافي"، إلى جانب "جذور" لثقافات أميركا اللاتينية، وغيرها من التظاهرات المحليّة.

"نسيج الإمبراطوريات" كان من أبرز المعارض التي يحتضنها "متحف الفن الإسلامي" حتى 27 من الشهر الجاري، ويبرز الظروف السياسية والفنية التي صُنعت فيها هذه الأعمال المعروضة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، خلال الحكم الصفوي في إيران والعثماني في تركيا والمغولي في الهند والعلاقات بين هذه الدول. وتم افتتاح "متحف قطر الوطني" ليصبح رابع متحف في البلاد، ويضم ثمانية آلاف قطعة، تشمل مقتنيات وعناصر معمارية وقطعاً تراثية تمثّل التاريخ القطري والخليجي.

في الوقت نفسه، تواصل العام الثقافي "قطر- ألمانيا 2017" بتنظيم معارض تشكيلية وحفلات موسيقية ومحاضرات وعروض سينمائية في البلدين، من أهمّها معرض "التصميم الألماني" الذي استضافته قطر، ويتناول علاقة الفن بالصناعة الألمانية منذ الخمسينيات، ومعرض "الفن القطري المعاصر" الذي نظّم في برلين وضم أعمالاً لفنانين قطريين توثّق تطور الحياة والمجتمع خلال العقود الأخيرة، وصوراً التقطها فوتوغرافيون من جميع أنحاء العالم زاروا قطر، إضافة إلى بورتريهات للاعبات عربيات في قطاعات رياضية مختلفة. وفي ألمانيا أيضاً رعت قطر افتتاح مؤسسة ثقافية تحمل اسم "البيت العربي".

من جهة أخرى، أقام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عدّة مؤتمرات وندوات بارزة في الدوحة خلال السنة الماضية، منها: "المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير: عوامل البقاء، والهجرة، والتهجير"، و"العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة ومستقبلها"، و"خمسون عاماً على حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها"، و"العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات"، هذا إلى جانب عشرات الكتب النوعية التي أصدرها المركز في 2017.

كما أنهيت السنة بتنظيم الدورة الرابعة من مؤتمر "الترجمة وإشكالات المثاقفة"، الذي عقده " منتدى العلاقات العربية والدولية" في الدوحة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وفيه تواصل التركيز - كما في الدورات السابقة - على مسائل الهيمنة والسلطة والصراع التي تحكم سياقاتها الثقافية. وجرى توزيع جوائز "الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" التي ارتفعت قيمتها إلى مليوني دولار.

كما أصدر المنتدى نفسه، مطلع العام، الجزء الثاني من كتاب يحمل نفس عنوان المؤتمر "الترجمة وإشكالات المثاقفة 2"، ضم تحريراً لمجموع الأوراق التي قدّمت في الدورة الثانية عام 2015، حرّرها وقدّم لها الأكاديمي الأردني وليد حمارنة.

______________________

فارق صوتين
شهدت 2017 وجهاً ثقافياً جديداً للانقسام السياسي العربي، غير بعيد عن الأزمة الخليجية. إذ لم يستطع المرشّح القطري، حمد الكواري، أن يكون المدير الـ11 لـ"يونسكو"، بعد خسارته في الجولة الأخيرة بفارق صوتين خلف المرشحة الفرنسية أودري أزولاي (ابنة المغربي أندريه أزولاي صديق إسرائيل ومستشار ملك المغرب)، وتوّج التصويت بمشهد سريالي بعد أن خرج أحد أعضاء البعثة المصرية صارخاً "لا لقطر، تحيا فرنسا تحيا فرنسا"!

المساهمون