جمارك الكتب

24 اغسطس 2018
قِيَم طلاع/ سورية
+ الخط -

اللافت في شأن قوانين الرقابة على الكتب أنها نشأت بالتزامن مع ظهور الطباعة وانتشار الكتاب الورقي، وليس قبل ذلك، على أن المثير في هذا الشأن هو أن قوانين منع الكتب من الصدور أو من التداول كانت تأتي في الغالب بمفعول معاكس بحسب ما يذكر ماريو إنفليزي في كتابه "الكتب الممنوعة"، وهو ما حدث مع المصلح البروتستانتي مارتن لوثر الذي أثار استغرابه هو نفسه أن الأمر بإحراق كتبه أو منعها من التداول قد زاد في إقبال القرّاء على شرائها واقتنائها.

وقضية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ لا تزال ساخنة حتى اليوم في ثقافتنا، فالرقابة التي منعت الرواية من دخول مصر لم تستطع أن تمد قيودها إلى باقي الدول العربية، من جهة، كما أنها ساعدت على إشهار الرواية، وتوزيعها، وتهريبها إلى مصر نفسها، بدل أن تقضي عليها.

وقد بنى الروائي الإيطالي أومبرتو إيكو روايته "اسم الوردة" على هذه القضية؛ فجريمة القتل التي يبحث غوليالمو عن مرتكبها والأسئلة الفكرية الهامة التي تطرحها الرواية، إنما نجمت عن محاولة الرقابة في أحد الأديرة منع الرهبان من قراءة كتاب بعينه موجود في المكتبة، وهو كتاب أرسطو عن الكوميديا. وفيما ظل الرهبان يحاولون الحصول على الكتاب، عمدت السلطة إلى تسميمه كي يُقتلوا إذا ما تجرأوا وأخذوه.

وفي مكان آخر، منعت السلطات السوفييتية رواية "دكتور جيفاكو" لبوريس باسترناك، بينما نالت الرواية، والفيلم الذي أُخذ عنها، شهرة وإقبالاً واسعين. بل إن الترجمة العربية المعروفة حتى الآن قد أنجزت على عجل، كما يخيّل لي، ونفذها "نخبة من الأدباء العرب"، بحسب ما كتب على صفحة الرواية الأولى، كي يتاح للقارئ العربي التعرّف إلى الكتاب الممنوع في الاتحاد السوفييتي آنذاك. وأضحى باسترناك من أكثر الكتّاب الروس شهرة في الثقافة العربية المناهضة للشيوعية، على الرغم من أننا لم نترجم له غير تلك الرواية، ولا نعرف شيئاً آخر مهماً عنه.

وبقدر ما يستمر الفكر الحر في الحياة والتجدّد والتحدّي أيضاً، تستمر الرقابة في إصدار أو استصدار القوانين التي تمنع الكتب، ولا يحفل الرقيب بالوقائع التي ذكرناها، ويعتبر أن إصدار القرار يستطيع أن يصادر المنتج، ويعرقل وصوله إلى القرّاء.

والطريف أن تنضم إدارات معارض الكتب إلى مؤسسات الرقابة أخيراً، وقد ازدادت شهيتها للرقابة والمنع، فأخذت تضيف أسماء الكتّاب إلى لوائح المنع، وأمرت بسحب المؤلفات المطبوعة للعديد من الكتّاب العرب، ومنها كتب سبق للرقابة ذاتها أن وافقت على طباعتها، أو سمحت بتداولها من قبل.

أكثر الأمور طرافة هي شعارات التشجيع على القراءة التي تقام تلك المعارض في ظلّها، ومنها "مجتمع يقرأ ويبني" و "الكتاب مستقبل التحوّل". ويتحدث المشرفون عن رغبتهم في نشر عادات القراءة، واقتناء الكتب، عبر تقديمها بأسعار مناسبة.

غير أن المضمر هنا يخبّئ القول إنه الوصي على جمارك هذه العادة، وأنه هو من يقرّر ما الذي يسمح للمواطن المشمول برعايته أن يقرأ من الكتب، وما الممنوع من قراءته.


المساهمون