صورة أبي
صور أبي الصغيرة
معلّقة في جميع أنحاء المنزل
عيناه متألقتان
بالبصيرة
بالخير وبالشجاعة
لا يسعل أبي في الصورة
ولا يتوتّر
لا يشتكي من وجع يديه ورجليه
لا ينحني ولا يساوم
وقف أبي يوماً أمام صورته
وقال
مثل معلِّم يشرح الخريطة لتلاميذه:
لا أُشبه صورتي
أما الغرف الجديدة التي أضفتها
إلى هذا البيت القديم، فخذوها
خذوا الخير مني لتحاربوا الشرور
التي ستلتقونها في طريقكم،
لا تأخذوا نومي
بل خذوا أحلامي
أنا الذي أقلق الآن وأتوتّر
أنا الذي أنحني وأُساوم
أنا الذي أئنّ من وجع يديّ ورجليّ
أنا الذي أسعل كأبي
أنا الذي
أنظر كثيراً إلى صورة أبي.
■ ■ ■
صورة جدّي
لم يكن جدّي مولعاً بالتصوير
ربما لم يجد وقتاً لذلك
صورة واحدة فقط
معلّقة على حائط قديم متهالك
يجلس فيها جدّياً وهادئاً
مثل سحابة مثقلة بالماء
كلّ ما نعرفه عن جدّي
أنه كان يعطي الصدقات للمحتاجين
ويتقلّب قلقاً في نومه
ويرتّب سريره بعناية كلّ صباح.
كنتُ مجرّد طفلٍ حينها
ولم ألمس غضبه
أو رضاه
فالصور لا تظهر الجانب الضعيف من المرء.
قالت أُمي
عندما تغطّون في النوم محاطين
بمخلوقات الليل الغريبة
يبقى جدّكم يقظاً في الصورة ليحرسكم.
لم أصبح طويلاً كجدي
ولا هادئاً ولا جدّياً
ولكن فيّ شيء منه
غضبه
رضاه
أمشي حانياً رأسي أيضاً
وأرى نفسي كل يوم
جالساً في إطار صورة فارغ.
■ ■ ■
صورة أمي
لا صورة لأُمّي في المنزل
كلّما حانت الفرصة لالتقاط صورة
تبحث أُمّي عن شيء مفقود
أو تذهب لجلب الحطب أو العشب أو الماء،
واجهتْ عدة مرّات نمراً في الغابة
ولم تخفْ
طاردت النمرَ وقطّعت الحطب وعادت إلى المنزل
أشعلت النار وطهت الطعام للجميع
لم أكن أذهب لجلب العشب أو الحطب
ولم أشعل النار
ولطالما جلست على الكرسيّ المذهَّب القديم
الكرسيّ الذي تُلتقط عليه الصور .
في وجه أُمي، أرى صورة غابة
صورة عشبٍ وحطبٍ وماء
صورة
شيء مفقود لم يكن في مكانه.
■ ■ ■
صورتي
هذه صورةٌ
تلتمع فيها حفنةٌ من الشجاعة
مخبّئةً الفاقة
وظلامها يتبدّد
خلف الضوء الباهر الذي التُقطت فيه الصورة
رزانة الوجه
مجرّد قناع للحرَج
التعاطفُ والقسوةُ يمتزجان ههنا
الكبرياء الشحيح يغرق عميقاً في العار
ورغم أن عمر القتال مرّ دون أي قتال
يحمل الوجه آلام عائد من الحرب
والعيون التي تقول إن الحياة قائمة على الحب
تخبو يوماً بعد يوم
بين العبث والتسلية
صورة واحدة
ألتقطُها مراراً وتكراراً
على أمل أن أتحسّن.. دون جدوى.
■ ■ ■
رسالة إلى الأطفال
أيها الأطفال الأعزّاء، لا شيء نقدّمه لكم. أردتم أن نلعب معكم، وأن تخوضوا ألعابنا، وأردتمونا أن نكون بريئين مثلكم.
أيها الأطفال الأعزّاء، قلنا لكم إن الحياة عبارة عن حرب لا تنتهي. فشحذنا السكاكين وكنّا أول من استخدمها. أعمتنا الكراهية والغضب. أيها الأطفال الأعزّاء لقد كذبنا.
كانت هذه ليلة طويلة، طويلة كنفق، ورغم أن الجو بدا غائماً، سمعنا البكاء. سامحونا أيها الأطفال لأننا أرسلناكم إلى هناك. لقد كذبنا عندما قلنا إن الحياة كانت ساحة معركة.
أطفالُنا الأعزّاء، الحياة مهرجانٌ تنتشرون فيه كالضحكات، شجرةٌ خضراء ترفرفون عليها كالطيور، كرةٌ تتقاذفها الأقدامُ كما يقول الشعراء، وأنتم الأقدام المتأهبة حولها.
الأطفال الأعزاء، إذا لم تكن هكذا الحياة، فلنجعلها هكذا.
■ ■ ■
دلهي 1
أُسرة من عشرة أفراد تكدّسوا في سيارة ماروتي ديلوكس صغيرة. حافلةٌ تسير في الاتجاه المعاكس، ورسّام يخوض محادثة عميقة مع صديقه يندفع لركوبها. امرأة تُقرِّع طفلها على إحدى النواصي. شاب يتحرّش بفتاة علناً.
رجلٌ يزاحم الآخرين بعصبية ليجد طريقه بين الحشود. مريضُ قلبٍ أمام الكومبيوتر يفكّر: كيف يمكنني علاج البلاد؟ رجلٌ شجاع يبكي في القسم الخلفي لمركز تجاري فاخر، أصابه داء الشجاعة. رجل ناجح سقط فريسة مرض النجاح المزمن. طاغية شهير، يضحك متجوّلاً في معرض الكتاب الدولي.
أرى أشخاصاً غريبين في هذه المدينة. تُشبه وجوههم وجوه أعدائي. يتبخترون في سياراتهم الفاخرة باتجاه مطار أنديرا غاندي الدولي.
■ ■ ■
دلهي 2
حشود هائلة في الشوارع والحافلات وغرف المعيشة
لا أحد منها يتذكر، هذه الأيام،
بيتاً واحداً من شعر "نيرالا"**.
لا أحد يؤكد أنه قرأ "ناغارجون"***.
لا أحد يروي كيف مات "موكتِبود"***.
لا أحد يتساءل ما هذه الحياة.
أحدُهم يعلن أنه حقّق تقدماً هائلاً. وآخرُ
يؤكّد أن ما يحتاجه الآن هو مقعد في الحافلة.
واحدٌ يؤكد أنه وضع
مخططات للمستقبل. وآخرُ
يشجب المجتمعَ الذي لا يطيع أوامره.
آخرُ يغني وهو
يشقُّ طريقه بتؤدة.
واحد يتكلّم، وواحدٌ فقير. وآخرُ ليس لديه كلمة أخرى.
بطاقة
Manglesh Dabral أحد أبرز شعراء الهند اليوم، من مواليد عام 1948، في قرية بمنطقة الهيمالايا في الهند. يكتب باللغة الهندية وله - إلى جانب مجموعاته الشعرية ا
لعديدة - كتبٌ في النقد الأدبي والثقافي. عمل محرّراً أدبياً في العديد من المجلات والصحف الهندية. القصائد المترجمة هنا هي من مجموعته "هذا الرقم لا وجود له" وهي قصائد مختارة مترجمة إلى الإنكليزية صدرت عام 2016.
* نيرالا (Nirala) شاعر وروائي وكاتب صحافي وقصاص (1898-1961).
** ناغارجون (Nagarjun) شاعر هندي (1911-1998) كتب العديد من القصص القصيرة وأدب الرحلات والسيرة الذاتية.
*** موكتبود (Muktibodh) من أبرز الشعراء والكتاب والنقاد الأدبيين الهنود في القرن العشرين (1917-1964).
**** ترجمة: عماد الأحمد