هذا خلاف مستجدّ بين السينما والرواية، أو بين الروائيّين والمخرجين في الحالة التي تتحوّل فيها إحدى الروايات إلى فيلم سينمائي، ذلك أن نوعاً من عدم الرضا يسود في أوساط الروائيّين كافةً، أو معظمهم، من الذين نُقلت رواياتهم إلى السينما، ففي أكثر الحالات التي حُوّلت فيها رواية ما إلى نصوص سينمائية، أو أفلام، أعلن الروائيون أن ما شاهدوه على الشاشة يختلف تماماً عن النص الروائي الذي كتبوه على الورق. وغالباً ما يقال إن الفيلم السينمائي قد أساء قراءة الرواية حين ترجمها إلى لغة السينما.
يتحدّث قيس الزبيدي في كتابه "المرئي والمسموع في السينما" عن شكلَين مختلفين لتقديم العلامة في كل من الأدب والسينما، ففي الأدب تكون كلمة "شجرة" الصورة الذهنية للشجرة، أمّا في السينما فيتطابق الدال والمدلول، حيث هناك حضور للشجرة نفسها. ويقول الزبيدي إن تولستوي قال قبل موته بسنتَين إنه يريد أن يكتب كما تُصوّر الكاميرا.
ومن يقرأ رواية "آنا كارنينا"، أو "البعث"، سوف يكتشف أن كثيراً من المشاهد الروائية التي كتبها تولستوي، كانت الأصل الذي استقت منه السينما طريقة عرض الحشود أو إدارة الكاميرا في التصوير في المئات من الأفلام، وربما كانت أغلب الفصول في هذه الرواية تبدأ من المشهد، بالنظر إلى أن تولستوي كان يسبق فن السينما تاريخياً، فإن الروائي قد استطاع أن يضع أحد الأسس القوية لرسم المشاهد.
يبدأ أحد الفصول في رواية البعث هكذا: "عندما بلغت ماريا بافلوفنا وماسلوفا المكان، رأتا المشهد التالي...". ثم يصف لنا تولستوي المشهد وصفاً سينمائياً لا يحتاج لأكثر من كاميرا كي تسجّله. بل إن الرحلة التي يُساق فيها السجناء الذين كانت ماسلوفا واحدة منهم (وهي مكتوبة في العديد من فصول الرواية حيث يتوزّع التصوير ويتنقّل من ماسلوفا إلى نيكليودوف الذي يلاحق القطار من محطة إلى أخرى) قد تكرّرت مرّات عديدة في الأفلام الأميركية وفي غيرها. وكل هذا يختلف بالطبع عن إعادة القراءة الفيلمية لعناصر الرواية.
يمكن تتبّع العشرات من المشاهد التي يتتبّع فيها الروائي الحركة الجسدية لأبطاله، تتبُّعاً يشبه إلى حد بعيد الكاميرا السينمائية، في معظم رواياته.
وفي المقابل، يمكن للسينما، بعد أن رسخت أدواتها، وغدت فنّاً مستقلّاً تماماً، أن تترك تأثيراً مماثلاً على فن الرواية، خاصة في الجانب التقني. ويعترف أنطونيو تابوكي في إحدى المقابلات أنه أعاد كتابة روايته "ساحات إيطاليا" وفق طريقة المونتاج السينمائي. ولكن "ساحات إيطاليا" ليست أكثر أعمال تابوكي أهمية، مثلما أن معظم الأفلام المأخوذة من الرواية، لم تكن أكثر الأفلام أهمية في تاريخ السينما.
بين الشاشة والورق يكمن الخلاف إذاً، وسوف يوجد من يقول إنه يرى الشجرة كما يريد أن يراها، بينما هو لا يرى في السينما سوى تلك الشجرة التي أرادها المخرج. هل يمكن أن نقول إن الروائيّين هم من بين أولئك الذين يريدون فكرة الشجرة لا صورتها فقط؟