اللاجئ السوري على الخشبة الألمانية: "أهلاً بك" بالمقلوب

30 أكتوبر 2015
ريم يسوف / سورية
+ الخط -

عندما وصل ماتياس ليلينتال إلى مدينة ميونيخ واستلم إدارة "مسرح الكامرشبيلِه" (Kammerspiele)، كان الإعلام الألماني في أوج اهتمامه بقضية اللاجئين. تزامن ذلك مع اختتام مهرجان "أكتوبرفست" السنوي، الذي يحتفل بالجعة بمشاركة ملايين السائحين.

حينها، تصاعدت أصواتٌ مطالبة بإغلاق الأبواب أمام اللاجئين، كي لا يلتقي بهم السيّاح. لا أحد يرغب في حدوث صدام بين شاربي الجعة والناجين من الغرق. لكن بعد نهاية المهرجان، ودّعت المدينة الألمانية سيّاحها وعادت إلى حفاوتها باللاجئين.

هكذا نظّم "مسرح الكامرشبيلِه" بالتعاون مع بلدية ميونيخ، مؤخراً، مؤتمراً مسرحياً وسياسياً حول قضية اللاجئين، ضمّ محاضرات وعروضاً استمرت ثلاثة أيام، منصف الشهر الجاري.

حمل المؤتمر شعار "افتحوا الأبواب"، دعماً للاجئين، وأثار أسئلة حول إمكانية مساهمتهم في القرارات المسرحية في المدينة وأشكال الالتزام التي ينبغي أن يتبعها العاملون في المسرح لمواكبة قضيتهم، وبحثت بعض الندوات الحاجات التي تدفع ألمانيا، وأوروبا بشكل عام، إلى فتح أبوابها لهم.

كان ثمّة ما يشبه القناعة المشتركة بضرورة "فتح الأبواب"، شارك فيها الجمهور أيضاً. لكن سؤالاً انبثق فجأةً: إلى من نوجّه خطابنا؟ إلى اللاجئ الذي غادر ميونخ، أم إلى جهات لم تحضر المؤتمر أصلاً؟

في اليوم الأول، صعدت الناشطة السودانية نابولي بولا لانغا إلى خشبة المسرح وتحدّثت بانفعال: "في البدء يتمّ التعامل مع اللاجئين بمنتهى الحفاوة، وبعدها تبدأ مشاكل العنصرية. كان المهاجر الأسود مثيراً للشفقة، وبعدها مثيراً للمشاكل، ثم أتى المهاجر الشمال أفريقي، والشرق أوروبي، وجميعهم لاقوا ترحيباً قبل أن ينتهوا إلى مواجهات ومتاعب يومية.

الموضة اليوم هي الاحتفاء باللاجئ السوري. لكن، لن يطول الوقت حتّى يأتي من يحلّ محله، ويتحوّل هو إلى مصدر للخوف والقلق". أمام هذا الاتهام، كان لا بد أن يكون هناك متهّم. إنه بالطبع "الألماني العنصري". لم تجد لانغا بدّاً من الإشارة إلى الجمهور في الصالة، قبل أن تسحب يدها سريعاً، حين تذكّرت أن هؤلاء من المناصرين لأمثالها.

مسرحياً، تفاوتت نوعية العروض التي تناولت المشكلة. لانغا نفسها شاركت في عرض مسرحي بعنوان "تمديد الهويات" مع مسرحيين من ألمانيا وساحل العاج. حاول العمل طرح موضوعة الهوية الشخصية المتبدّلة عبر مونولوغات وأغان ومجموعة من الجمل الحركية المباشرة، كأن يستلقي الممثّل الذي يؤدّي دور اللاجئ (الأسود) ويمشي فوقه ممثّل آخر على أنه المشاكل التي تمشي على اللاجئ. مباشرة الطرح كانت السمة الرئيسية لمعظم العروض المسرحية المشاركة.

ولعلّ المشاركة الأبرز كانت بحضور فرقة "ريمني بروتوكول" التي قدّمت عرضها الجديد "نهر إيفروس يمشي على الماء، الذي مزجت فيه فنوناً عدّة مع بعض تقنيات فنون التجهيز في المكان.

عرض أعضاء الفرفة شريطاً مصوّراً يظهر فيه الموسيقي جون كيج وهو يؤدي إحدى مقطوعاته مقطوعاته باستخدام أواني المطبخ وصنبور مياه. يطلب أعضاء الفرقة من المتفرّجين أن يمضوا إلى منتصف القاعة ويستخدموا الأدوات الموجودة والتي تشابه أدوات كيج من حيث علاقتها بالمياه. لكن سيقدّم الجمهور هذه المرة موسيقى مستوحاة من حكايات اللاجئين الذين عبروا نهر إيفروس الفاصل بين تركيا واليونان. يضع كلّ منهم سماعات رأس وينصت إلى حكاية يرويها طفل لاجئ، ليصدروا أصوات من أواني الماء والسلاسل ومجاذيف القوارب والأدوات التي يستخدمها اللاجئون.

أمام توالي العروض والندوات عن اللجوء، يجد المرء نفسه أسيراً لردود فعل محدّدة، فهو إما حزين لرحلة اللاجئين أو غاضب من الانحطاط البشري الذي يجعل اللاجئ يسلك كل الطرق غير الشرعية لينجو بحياته. يبدو المؤتمر هنا وكأنه نوع من ردء الواجب الذي يقتضي الحديث عن اللاجئين كمن يغسل يديه من ذنب لم يقترفه، ولكنه يقتضي أن يبرئ نفسه.

اتّسم المؤتمر بالانغلاق على اللاجئين أنفسهم ومؤيّديهم. أتاحت معظم الندوات فرصة التواصل عبر الترجمات الفورية، على عكس العروض التي بقيت محدودة ضمن اللغة الألمانية. لعلّ مسألة اللغة هي إحدى المحاور التي كان ينبغي إثارتها.

وإن كان مؤيدو فتح الحدود راغبين بسلوك أكثر تسامحاً مع اللاجئين ومع اللغات الأخرى، فقد كان من المفترض أن يعرفوا أن عبارة "أهلا بك" بالعربية تُكتب من اليمين إلى اليسار لا بالعكس، كما كتبها منظّمو المؤتمر: "كب الها".

لم تقف التناقضات عند سوية العروض أو التباس نبرتها المباشرة مع الخطابات التي ألقاها الناشطون والإدرايون والفنانون. وكما ارتبكت مدينة ميونخ من جراء لقاء البيرة باللاجئ، فأجّلت حفاوة استقبالها لللاجئين لشهر تقريباً، اكتفى "مسرح الكامرشبيلِه" بتنظيم المهرجان لتعود الفرق إلى مدنها ويستمر اللاجئون بالترحال عبر مدينة ميونخ، ومن ثمّ إلى مدن أخرى.


اقرأ أيضاً: العرض الراقص "مجرد حقيقة" مواجهاً "الوعي المنفصم"

المساهمون