إن استطعت فاجعل كامل حياتك فجراً

06 مايو 2016
صفوان دحول/ سورية
+ الخط -

"أبو هريرة خطر على اطمئنانك. يستنطقك بلا رحمة بما يسلّطه عليك من أسئلة قاسية تمسّ بأصول الحياة".
من مقدّمة كتاب "حدّث أبو هريرة قال"

حديث الطين
عن أبي هريرة أنه قال: خرجتُ من المدينة وقد أخذت عصاي أتوكّأ عليها فأُحمّلها ثقلي. فتصوّرت لي بكرٌ من الأرض تدعوني. فطرحت ما كان معي، وقد كشفت عني لذّته. ثم أوقعت بها رجلي، فكانت كالخلق أو كالدهر. وهمت فلم أزل فيها كعروس ليلته حتى مضت لي أيام، وأنا أطلب من الفاكهة ما لا يعرفه أحد وأطلب الكون أن يُعاد، وأغبط آدم وحواء، إلى أن تم عليّ انفرادي فصار لي الليل والنهار كالعبث ليس من ورائهما شيء، واستوى لي الزمان فهو كالبحر الساجي أو كالأبد.

حديث الشيطان
كان أبو هريرة كالماء يجري. لم نقف له في حياته على وقفة قَط. كالمستعد إلى الرحيل لا ينقضي عنه الرحيل.

حديث الحس
مرض أبو هريرة (..)، كان يقول: وددتُ من زمن بعيد لو أني عُلّقت بين السماء والأرض، أو أني جلستُ على قمّة جبل وقد طلّقته الأرض فطار. فلم أُصب ذلك إلا في علّاتي: تفكّ الجسد وتميّز الأوصال، فيخف اللحم والدم فكأني في الخُلد. إنه لا تكون الحياة أبدع مما تكون بين العدم والكيان، ولا أقرب من طمأنينة السعيد (..) آلمني أن يكون نصف متاع الدنيا في حال لا يصيبها الإنسان إلا حيناً بعد حين إذا سلِم من كثافة الصحة.

حديث العمى
حدّث أبو إسحاق عمرو بن زيادة السعدي قال: خرج أبو هريرة مُشرّقاً، فضرب في الأرض زمناً، ثم ردّته علينا بعض قوافل الغرب كثير الغبار فاني العصا، فسألناه في رحلته فابتسم، وقال: لو كنتم عشتم في مستقبل الدهر لقرأتم ما سيكتبه ابن بطوطة من خرافات الصبيان. وكان يقول: لقد ماتت الجهات الستّ. أو يقول: من ضاعت قِبلته فليسر ولا يطلب شرقاً ولا غرباً.
فكأنما ضاقت عنه الدنيا وفاض عنها أو وقع عليها فأفناها.

حديث الوضع
حدّثت ريحانة قالت: جاءني يوماً أبو هريرة فقال: إني راحل عنك. فقلت: وأي السبل اخترت لي؟ فقال: العقبة يا ريحانة. قلت: وما الراحل بك؟ قال: كره البيوت.
وقد كان يدخل عليّ أحياناً فيقلّب البصر في البيت، ويقول: لقد سكنت البيوت من يوم خُلقت فلم أُصب منها إلا الباب. أعلم أني أدخل وأخرج منه، أو الجدار أعلم أنه يردّني لو طلبت الخروج منه أو السقف أخشى أن يقع علينا. وإن من الخير والشر والسعادة والشقاء كمثل بيت نسكنه ونحن نقول: إنا وجدنا آباءنا فيه. فقلت: وقد كنتُ بيتاً كرهته؟ فقال: نعم. ولو اكتنفتني فاكتفيت بك، إني إذن لجبان. وقد حذّرتك أن تكوني جنّتي.
وقد ذهب فنغّص عليّ ما جاء بعده من الدنيا (..) كان دائم التوق إلى الشمس دائم الخوف من طلوعها. ويقول: إن استطعت فاجعل كامل حياتك فجراً.
رحم الله أبا هريرة.


دلالات
المساهمون