"الكلب": مسار متعرّج لتحوّلات العالم

19 ابريل 2020
(تفصيل من لوحة "كلاب الصيد" لـ غوستاف كوربيه)
+ الخط -

منذ قرون طويلة، يحضر الكلب كأحد أكثر الكائنات قرباً من الحياة البشرية، بدأ ذلك حين كان مرافقاً لرحلات القنص في زمن كان فيه الصيد شكل الإنتاج الاقتصادي السائد في العالم، وصولاً إلى استعماله كغرض تزييني في مجتمعات الرفاهية المعاصرة، وبين هذا وذاك انتقل الكلب بين أدوار كثيرة حدّدها له الإنسان.

في كتابها الصادر مؤخّراً عن "منشورات أوترومون" بعنوان "الكلب: تاريخ كائن مصاحب"، ترسم الباحثة الفرنسية فيكتوريا فانو خط هذه التحوّلات التي عاشها الكلب خلال رفقته الطويلة للإنسان. وإذا كانت المؤلفة قد أشارت من البداية إلى الحضور القوي للكلب في الحياة البشرية إلا أنها تشير إلى مفارقة تتمثّل في قلّة حضوره على المستوى الثقافي، حتى العفوي منها، فلا نجد له نفس التصوّر الرمزي الذي حظي به الثور أو الأسد أو الديك، على سبيل المثال.

هنا، تقدّم فانو مسحاً لحضور الكلب في المدوّنة الثقافية، تبدأ من الميثولوجيات القديمة التي ترى أنها التقطت الكلب مثلما تلتقط جميع عناصر الطبيعة كالجبال والنار والأنهار والبشر والأمطار وغيرها، مشيرة إلى أن هذه الأساطير قد منحته صوراً متباينة كخادم للشر أو ككائن نبيل.

ترصد فانو حضور الكلب أيضاً في المدوّنة الفكرية، وتركّز بالخصوص على الفيلسوف الروماني لوكريشيوس والذي يمثّل أهم مفكّر في الطبيعة في العصور القديمة، وقد نظّر لعلاقة الإنسان بالكلب في أحد نصوصه معتبراً إياه كائناً فاضلاً ومثالاً للصداقة والوفاء، وهي الصورة الذهنية الغالبة حول الكلب إلى أيامنا.

يحضر الكلب أيضاً لدى رينيه ديكارت لكن فقط باعتباره آلة، وهو طرح تنطلق منه فانو لترسم تحوّلات موقع الكلب في العالم الحديث، حيث سينتقل من هذه الوضعية التي أشار إليها ديكارت إلى كائن يعترف به القانون (حضر الكلب في النصوص القانونية الفرنسية منذ عصر نابوليون)، وصولاً إلى مفكرين معاصرين مثل فريديريك لونوار، وميشال أونفري، والذين باتوا يتحدّثون عن كينونة للحيوان، وهو ما يجعل فانو تتوقّع أن تتغيّر من جديد علاقة الإنسان بالكلب في المستقبل.

المساهمون