في شوارع إسطنبول، نادراً ما تلتقي مواطناً تركيّاً يُجيد اللغة العربية التي تكاد ممارستها تقتصر على المتخصّصين في بعض الحقول الأكاديمية أو الدينية. يبدو ذلك نتيجةً منطقيةً لعقودٍ أدارت فيها الجمهورية ظهرها للغة والثقافة العربيَّتين، واستبدلت الحرفَ العربي باللاتيني في كتابة اللغة التركية التي تشير دراسات إلى احتوائها قرابة 7000 مفردة من أصل عربي.
غير أن البلد يشهد، مؤخّراً، توجّهاً مختلفاً، قد يجعل، في السنوات القليلة المقبلة، من الالتقاء بتركيّ يتحدّث العربية أمراً غير نادر الحدوث. على هذا الصعيد، بدأت السنة المنقضية بتعليماتٍ أصدرها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لإنشاء جامعات خاصّةٍ بتدريس العربية، في وقتٍ بدأ فيه الطلّاب الأتراك في المراحل الابتدائية والمتوسّطة والثانوية بدراسة هذه اللغة كمادّة أساسية ابتداءً من العام الدراسي 2017/2016، بعد أن كانت مادّةً اختيارية منذ 2010. هذا إلى جانب دعوة أردوغان في مطلع آب/ أغسطس الماضي إلى حذف ما يسيء إلى صورة العرب في المناهج التعليمية التركية.
هذا الاهتمام باللغة والثقافة العربيّتَين سنلمسه أيضاً في مجال الكتاب؛ من خلال تزايد تأسيس دور النشر العربية، أو معارض الكتاب العربي التي عرفت تزايداً لافتاً في السنوات الثلاث الأخيرة، سعياً إلى إتاحة الكتاب للناطقين بالعربية ولدارسيها، خصوصاً مع ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين العرب (قرابة أربعة ملايين) في تركيا.
وفي 2017، أُقيم خمسة منها؛ أوّلها "مهرجان الثقافة والكتاب العربي"، الذي أُقيم في منتصف شباط/ فبراير وشارك فيه خمسون ناشراً عربياً بقرابة خمسة آلاف عنوان. وعاد "معرض إسطنبول الدولي للكتاب" في دورته الرابعة التي أُقيمت في الشهر نفسه، بمشاركة كتّاب وشعراء عرب، ومائة ناشر عربي من أصل 350 ناشراً من تركيا وخارجها.
وفي أيلول/ سبتمبر، أُقيم "معرض الكتاب الدولي" تحت شعار "ملتقى الثقافة الإسلامية والأدب العربي"، وشارك فيه عددٌ من الكتّاب العرب، إلى جانب عشرين دار نشر عربية.
وأُقيم، في كانون الأول/ ديسمبر، "معرض باجيلار للكتاب العربي". وفي الفترة نفسها، نُظّم "مهرجان باشاك شهير للكتاب العربي"، الذي شاركت فيه قرابة 25 دار نشر عربية ناشطة في تركيا.
ولعلّ أبرز حدثٍ مرتبطٍ بالعلاقات الثقافية بين العرب والأتراك في 2017، هو إطلاق مجلّةٍ ثقافية باللغتَين العربية والتركية باسم "شُرفة"، وهي مجلة فصلية صدر عددها الأول في خريف 2017. تحاول المجلّة، التي يضم طاقم تحريرها ومستشاريها أسماء تركية وعربية، تقديم أصواتٍ أدبيةٍ من الثقافتَين، وتتضمّن ترجماتٍ من وإلى العربية والتركية، تتنوّع بين الشعر والقصّة والحوارات.
كذلك شهد العام رحيل المترجم السوري عبد القادر عبداللي (1957-2017) في تركيا، وعبداللي أحد أبرز الأسماء التي نقلت الأدب القصصي والروائي التركي إلى العربية.