ماما فرنسا

09 نوفمبر 2019
سمير رافي/ مصر
+ الخط -
لا أدري إذا ما كان الذي سَمِعتُه وأنا نائم 
حقيقةً أم خيال 
لكني سَمِعتُ جَدَّتي تَهمِسُ لي في أُذني: 
إنَّ أسرارَكَ هُنا، 
فلا تَحمِلها إلى أرضٍ أُخرى. 


■ ■ ■ 


عِندما يَعبُرُ الذين يُشبِهوني البَحر، 
ماذا يَحدُثُ لَهم؟ 
لا شيء، فقط يَموتون 
يَأتي مَوجٌ عالٍ ومضطَرِب، يُطيحُ بِأحلامِهِم الصغيرة، 
وَيَملأُ أَفواههم بالمِلح. 
أمّا الذين يدخلون بأوراق رسمية 
فيحتفِلون بِوصولِهِم، 
يأخذون لهم صوراً بالقرب من العملاق برج إيفل 
وبعدها، تَبني لهم فرنسا حيطانا وَغُرَفا 
يَتَعَفَّنونَ فيها وَيَموتون 

تَبني لهم حيطاناً في تِلكَ الأمكنة 
التي يموت فيها الناس 
بِجُرعة هِروين زائدة 
عِندما يَعبُرُ الذين يُشبِهوني البَحر، 
ماذا يَحدُثُ لَهم؟ 
لا شيء، فقط يَتَسَوَّلون بِملابِسَ نظفية 
تِلكَ الوجوهُ التي ما إن تُجَرِّبَ شيئاً حتى تُدمِنُهُ 
دُوَارٌ خفيف يُصيبُ الرَّأس، 
يُصبِحُ العالَمُ رخواً وَمُضحِكاً 
وتُحيطُ بِكَ السَّعادة 
وبعدها تَطرُدُكَ فرنسا من جميع أحيائها الجميلة 
وبعضهم يبحث عن عمَلٍ دون جدوى 
والذين يُقالُ لهم عادة 
تَأخرتَ بِدقيقة احدة 
تِلكَ الوجوه، التي ما إن يَراها أصحابُ الشُّقق السكنية 
حتى يُقَرِّرون بسرعة، أن لا شُقَقَ عِندهم للإيجار 
قال لي أَحَدُ الفرنسيين، أسماؤكم غريبة: 
?Comment ça va 

مَن مَنَحَكَ هذا الاسم؟ 
قُلتُ: ماما فرنسا. 


■ ■ ■ 


هناك في تِلك الأقاصي الباردة البعيدة 
ماذا تَفعَلُ تلكَ الوجوه المكتَئِبَةُ كالفَحم؟ 
لا شيء 
يَستَمِعون إلى أغانٍ مريضة تُذَكِّرُهُم بِشيء ما 
وآخرون 
يملؤون الإستمارات 
يملؤونها كما يملأ الموتى قبورهم 
والآباء الصالحون ماذا يفعلون؟ 
لا شيء 
يُنصِتون إلى أناشيد الموتى 
ويملؤون استمارات جديدة 
وحين ينتهون، يبحثون عن استمارات جديدة 
يُخبرون ماما فرنسا 
بأن بطون زوجاتهم انتَفَخت قليلاً 


■ ■ ■ 


عندما تسكن في بلدٍ لا يُشبِهُك، يصيرُ اسمُك: هؤلاء 
باريز التي جِئتُ إليها، لا أراها 
أرى ضباباً يَلُفُّها من كُلِّ الجهات. 


* شاعر وأكاديمي مغربي مقيم في مدينة نيو أورلينز الأميركية
المساهمون