"شارلمان وهارون الرشيد": بين بغداد وأوروبا

30 ابريل 2020
(لوة تصوّر تشلّم شارلمان لهدايا هارون الرشيد)
+ الخط -

مثّل البحر الأبيض المتوسط مركزاً للأحداث السياسية والاقتصادية في العالم القديم طوال آلاف السنين، بحسب العديد من المؤرخين الذين أشاروا إلى تنامي العلاقات بين ضفّتيه منذ العهد العباسي مع الفرنجة، والتي تأثّرت كثيراً بموقع بغداد وأوروبا وسياساتهما تجاه جيرانهم، خاصة البيزنطيين والأمويين في الأندلس.

وتبادل الإمبراطوريتان مراسلات عديدة أنتجت تفاهمات حول تأمين رحلات الحج المسيحي إلى الأماكن الدينية، التي تمّ الالتزام بها خلال فترات عديدة ما لم تُنكث من قِبل الأوروبيين، وقد وثّقت العديد من الرسومات القديمة مشاهد وصول وفود دبلوماسية وتسليم الهدايا والرسائل وهلافها.

صدر حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية" في بغداد كتاب "شارلمان وهارون الرشيد دراسة في الصلات الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية في العصور الوسطى 768 - 814 م" للباحث العراقي مرتضى عبد الزهرة عبد الحسين راشد.

يوثّق الكتاب جسور التواصل السياسي والاقتصادي والديني بين العالميْن الإسلامي والغربي، باعتبار "التاريخ الأوروبي الوسيط خلفية أساسية لفهم التاريخ الحديث، فهو أساس للتطورات السياسية والاقتصادية والفكرية في أوروربا"، وفق التقديم.

وتبرز المصادر التاريخية طبيعة العلاقات التي قامت بين الخليفة العباسي (763 – 809) الذي يمثّل الدولة الأكثر تطوراً من الناحية العلمية والفكرية، آنذاك، وبين ملك الفرنجة (742 – 814) الذي كان سعى لتأسيس دولة قوية، وتعدّ الهدايا تعبيراً رمزياً لمكانة الدولتين ومدى ازدهارهما.

وكيف أن الأوروبيين اندهشوا حين أرسل الرشيد فيلاً من ضمن هداياه لشارلمان، إذ كانوا يظنون أنه كائن أسطوري، أو حين بعث برقعة الشطرنج الأولى إلى القارة العجوز، أو اسلاعة الجداربة العملاقة وغيرها، في فترة كان التفكير الغيبي لا يزال مسيطراً على الأوروبيين.

وبقدر ما تقدّم المصادر الغربية في العصور الوسيطة صورة واضحة عن الصلات التي جمعت القائدين، فإن المصادر العربية لا تزال شحيحة حولها، وربما توضّح أطروحة المؤرّخ البلجيكي هنري بيرين "محمد وشارلمان" كيف استفاد الغرب خلال القرن الثامن الميلادي من المسلمين ضمن مستويات عدّة، أهمّها أن تفوّق العباسيين في المتوسط وفّر أمناً واستقراراً اكان مفتقداً بسبب الهيمنة البيزنطية في أزمنة سابقة.

المساهمون