"انكشاط": قيد التطوير وأكثر

27 يونيو 2018
(من عرض "انكشاط")
+ الخط -

يمتد عرض "انكشاط"، الذي عرض مؤخراً ضمن برنامج "استديو زقاق بيروت للإرشاد المسرحي"، على ستين دقيقة، حيث تجري أحداثه في مكان فانتازي؛ هو خيمة مصنوعة من جلد بشري، يتوسطها رجل يعيش داخل شيء يشبه الشجرة الممتدة من أعلى سقف المسرح حتى أرضيته، وهذه الشجرة التي تغطي كامل جسد الرجل إلا وجهه، مصنوعة من الجلد البشري أيضاً، إنه جلد الرجل نفسه، ما ينمو على جذعه وأطرافه، ليكون هذا الجلد النامي مادةً لصناعة الخيمة، ومادةً لإطعام القاطنين فيها.

تشارك الرجل في الخيمة امرأتان لا تفصح المسرحية عن سبب وجودهما ولا كيفية عيشهما، ولا يعرف المتلقي عنهما إلا طاعتهما الكاملة لرغبات الرجل وشهواته وتلبية حاجاته الأساسية من المأكل، والعناية، والممارسة الجنسية. ميزة واحدة في الشخصية تميز الأولى عن الثانية ألا وهي أن الأولى أقدم وأكثر حرصاً على استمرار الشعائر والطقوس التي تجري في الخيمة، بينما يتلمس المتلقي لدى شخصية الأنثى الثانية رغبة في التمرد والهروب بعيداً عن الخيمة.

في الأحداث التالية للمسرحية، ندرك أن المرأتين في الخيمة تنتظران أيضاً الغذاء والمأكل مما ينتجه الرجل الشجرة، بعد إطعامه والاهتمام بحاجاته، فإنه يطرح من داخله، بما يشبه عملية الولادة، اللحم الذي يمكن الإناث من الأكل والبقاء على قيد الحياة، إلا أن ما يطرحه الرجل في هذه المرة هو أنثى ثالثة تصل إلى المكان من أسفل أرضية المسرح لتصبح الخيمة مأهولة بثلاث إناث والرجل الشجرة دون أن يحظين بما يمكنهن من التغذي وإطعام أنفسهن.

بهذه الرمزية التي لم توضح الفنانة الغاية من ورائها، ولم تقدم حلولاً لتأويلها، يكمل العرض حكايته التي تحمل للمتلقي مزيداً من الغموض والغرائبية بدلاً من أن تتمكن من سرد حكاية مسرحية واضحة العوالم. تعلّم كل من الأنثى الأولى والثانية القادمة الجديدة، أي الأنثى الثالثة، كيفية العناية والاهتمام وتلبية رغبات الرجل الشجرة علّه يطرح لهن من داخله ما يمكنهن من الأكل والبقاء على قيد الحياة.

تبدأ الأنثى الوافدة بتعلّم الطقوس والشعائر وتمارس دورها في رعاية الرجل علّها تنجح في دفعه إلى طرح ما يمكنهن من الأكل، إلا أن إخفاقاً وراء الآخر يجعل الوضع أكثر تأزماً في الخيمة ويزيد من حدة الانفعالات بين النساء فيها، إلى أن يُكتشف أن لحم جسد المرأة الثالثة الجديدة قابل لأن يكون طعاماً للتغذية. وهكذا يتم الاتفاق على التهامها، بينما ترفض الأنثى الثانية المتمردة الأمر وتخرج منفعلة من الخيمة.

إن هذه الرمزية العالية التي تحملها الحكاية للوهلة الأولى عصية على أي تأويل، فقد رفضت المخرجة - في الحوار الذي جرى بين الجمهور والفرقة المسرحية بعد انتهاء العرض - أي تأويل خاص للحكاية على كونها ترمز إلى مركزية الذكر في المجتمع العربي وحاجة الإناث إلى هباته ومنتجاته للاستمرار والبقاء على قيد الحياة، وأكدت أنها لم تتقصد هذه البنية الجندرية في الحكاية. إذاً ما الذي تريد الحكاية أن ترويه؟

في الحوار بين الفرقة المسرحية والجمهور الذي تلا العرض، لم تنجح عيتاني بأن تضيء الأحداث المسرحية التي روتها الدقائق الستون التي تابعها المتلقي. بينما دافع القائمون على مشروع "زقاق للإرشاد المسرحي" عن عدم ضرورة تحديد الفنان لما يريده من عرضه المسرحي، وركزوا على ما استطاع الجمهور أن يصل إليه من تأويل أو تفسير لمجريات المسرحية. ما يعتبر تغاضياً عن عنصر أساسي ابتدائي في أي عرض مسرحي؛ أي تحديد المقولة الموجهة من قبل الفنان إلى الجمهور، والتي يتوجب بأقلها على الفنان المخرج أن يتمكن من تلخيص أو سرد محتويات مسرحيته بدايةً قبل أن يتمكن الجمهور من تأويل الحدث وإعطائه المعنى.

يمكن للمتلقي التعاون والتكيّف مع الشرط المذكور في عنوان المسرحية أي أنها (عمل قيد التطوير)، ولكن ذلك لا يتم إلا بعد تحقيق بعض الشروط الأساسية في عرض مسرحي، وهي أسئلة أولية على الفنانة أن تجد عليها بعض الأجوبة البسيطة: ما الذي أرويه على الخشبة من أحداث؟ لماذا اخترت هذه الأحداث المسرحية؟ ما الغاية منها؟ وما الذي تريد هذه الأحداث أن تقوله؟ إنها أسئلة كان ينبغي على القائمين على "مشروع زقاق للإرشاد المسرحي" توجيهها إلى العرض الذي يقدّمون له الدعم قبل اختياره، كأولويات وأساسيات عند اختيار مشروع فنان مسرحي بدلاً عن مشروع آخر.

هذا على مستوى الحكاية، أما على مستوى الإخراج، فإن الأداء المسرحي وخلال الستين دقيقة يقع في مطب التكرار المستمر، الإيقاع غير المدروس، ولحظات الصمت والسكون الطويلة. تتكرر أفعال مثل: ربط الشعر، توزيع حبات الطعام، سكب المشروب في الكؤوس، أفعال يتابعها المتلقي تتكرر وتتكرر ضمن إيقاع صامت وسكوني، لا يوازيه أي محاولات لاستخدام عنصري الإضاءة، الموسيقى أو توزيع الحدث على المنصة المسرحية.

ورغم أن العرض يجري باللغة العربية، فإن الممثلين وكذلك المخرجة في الحوار الذي جرى مع الجمهور تاليا للعرض، لم يتمكنوا من التعبير عن أفكارهم وشخصياتهم باللغة العربية، وتم اللجوء إلى اللغة الإنكليزية في كامل الحوار، مما يدفع أي متلق للتساؤل عن السبب الذي حدا بالفرقة المسرحية لاختيار العربية للعرض، بينما تبدو الإنكليزية أكثر مرونة وسهولة لتفكير الفنانين وأساليب تعبيرهم.

يحتمل أي عرض مسرحي تعدد التأويلات والتفسيرات والتحليل، ولكن لا بد أن يمتلك الفنان أحدها ويتمكن منه على الأقل، وهذا ما يغيب عن تجربة "انكشاط" المسرحية. وبما أن القائمين على البرنامج أوضحوا أن العمل قيد الإنجاز، وأنهم يرغبون في التعرف على آراء الجمهور لتطوير العرض، فإن هذه المقالة مساهمة في تطوير الأفكار حيال العرض وتحسين المنهجيات الأساسية التي يقوم عليها.

دلالات
المساهمون