تتالت، في الساعات الماضية، عمليات تحطيم التماثيل الرامزة للحقبة الاستعماريّة، في كلّ من أوروبا وأميركا، في ما يُشبه هبّة ضمير مفاجئة أو رغبة انتقام مستعرة. تهدف هذه الأعمال إِلى إِرضاء ظرفيّ للضمير أكثر منها إلى مُحاسبة كُليّة عن جرائم فظيعة، دامت لقرون.
ذلك أنّ تصفية الماضي الاستعماري وتفكيك عهود من ممارساته العنصرية والتطهير العرقي والميز ضدّ السود والعرب، وحتى الإبادة الجماعيّة لبعض عشائرهم، تقتضي مساراً سياسيّاً منهجيّاً تتضافر فيه مؤسسات الدولة والمجتمع من أجل التفكيك والاعتذار، ولمَ لا التعويض المالي، وهو مستحقّ، ولا يسقط بالتقادم.
أما ما نادى به بعض مثقّفي فرنسا من ضرورة وضع نصوص تفسيرية، تحت تلك التماثيل والرسوم واللوحات، تشرح سياقاتها التاريخية، فمجرّد تبرير بارد، لا يمكن إلا أن يُشرّع للتغاضي عن جرائم الماضي وقد يغذّي الكراهية والاستعلاء في الحاضر.
فظاعة تلك الأعمال هي من الرسوخ في اللاوعي الجمعي الأوروبي بحيث لا تكفي فيها هبّة عابرة يقوم بها أفراد مجهولون أو جمعيات ثقافيّة مغمورة، سرعان ما تخفُت. والمأمول وضعُ خطّة شاملة، يسهر على تنفيذها تحالفٌ بين السياسي والثقافي، ضمن مسار بعيد المدى، إذ الأصنام لا تسقط، ما لم يسقط الفكر الأورو-مركزي الذي يعضدها ونظريات الاستعلاء التي تغذّيها ثم ذلك الصمت القضائي-الأمني المُريب الذي غالباً ما يَرين على قضاياها.